ميادة سفر
باتت متغيرات التكنولوجيا السريعة، والأزمات المتتالية تؤثر في استقرار الإنسان، والضغط الاقتصادي البشري بات مهدداً اجتماعيا خطيرا، ففقد الوظائف وارتفاع أسعار الأغذية عالمياً يؤثرّ في اقتصاد الأسرة، ويؤدي إلى ارتهانات كبيرة، خاصة عند لجوء الأسرة إلى الاقتراض البنكي، الذي يخلق ضغوطاً معيشة ومادية لاحقة، ستؤثر تالياً في حالة الاستقرار، التي باتت مهددة بشكل مخيف.
على الرغم من الأهمية الكبيرة التي لا يمكن تجاهلها للتطور التكنولوجي الذي طال مختلف نواحي الحياة، وسهل عمليات التواصل بين البشر، وقرّب المسافات التي لطالما كانت عامل تأخير، سواء في علاقاتنا الاجتماعية أو تلك الاقتصادية بين الأفراد والشركات وحتى الدول، إلا أنّ أثرها السلبي إلى حد ما كان واضحاً من خلال التسارع الكبير، بشكل وقفت أمامه بعض الدول، كما بعض الأفراد عاجزون عن اللحاق به ومواكبته، بسبب عدم امتلاكها الوسائل والأدوات التي يتطلبها مواكبة التطور، بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة التي تعاني منها كثير من الدول، لا سيما تلك الفقيرة والخارجة من الحروب والخاضعة للعقوبات.
هنا تغدو مسؤوليات الحكومات أكبر وربما أكثر تعقيداً مما كان في السابق، ويلها تأمين مستلزمات المعيشة والحياة لمواطنيها من ناحية، وويلها مواكبة المتغيرات التكنولوجية المتسارعة، وهو ما يحتم عليها إعادة النظر بنواح كثيرة، بدءاً من القوانين الناظمة للأعمال وكيفية دخول هذا الزمن المتطور، وتالياً العمل بجهد أكبر لتوفير الوسائل التي تساعد على ولوج عالم اليوم، إذ كيف يمكن التحول إلى ما يسمى “الحكومة الإلكترونية” وما زالت سرعة الأنترنت في أدنى مستوياتها، وتعاني تقطعات متزايدة، فكل عمل لا بدّ أن يبنى على أسس سليمة ليتمكن من إحداث التغيير الذي يتطلبه العصر، إنّ إمكاناتها للنمو المستقبلي سوف تعتمد على قدرتها ليس فقط في الاطلاع على التكنولوجيا الحالية، بل أيضاً أن تعزز بشكل فاعل براعتها التكنولوجية من خلال البحث والتطوير والإنجازات العلمية، فأين نحن من هذا؟
في ضفة أخر، تعاني كثير من الأسر من الأزمات الاقتصادية، والضغط الاقتصادي الذي يهدد قدرتها على الاستمرار والصمود في مواجهة الأوضاع المتردية المتسارعة، ومع لجوء كثير من الأسر للاقتراض البنكي ورهن ممتلكاتها، لا بدّ من أنها ستخسر جزءاً لابأس به من دخلها، وتتحمل مزيداً من الضغوطات والتهديدات، التي تمارس عليها من الدائنين، فضلاً عن تعرضها لاحتمال خسارة بعض ممتلكاتها في حال تعثرها بالتسديد، تلك الحالات وغيرها تزيد الأحوال الاجتماعية سوءاً، وتقلل من حوافز العمل لدى كثير من الأفراد، وهو ما يأزم الأوضاع ويتطلب تدخلا سريعا يساعد على الخروج من الأزمات، التي كانت الحكومات طرفاً فيها، وأحياناً مسبباً لها بشكل أو بآخر، وهنا أيضاً لا بدّ من قيام الحكومات بدورها للتخفيف من الأعباء الملقاة على مواطنيها، بدل فرض مزيد من الضرائب والأتاوات التي ترهقهم وتزيد من معاناتهم.
تقلبات عنيفة وسريعة تطول حياة البشر في أغلب الدول، لا سيما تلك الفقيرة، التي تعاني من شح في الموارد وفرص العمل، فضلاً عن غياب الدور المنوط بالحكومات، بما فيه الدعم الذي يتحتم على الحكومات تقديمه لمواطنيها، لكي يتمكنوا من متابعة حياتهم بأقل قدر ممكن من الترياق، يبدو أننا في بلادنا ما زلنا ننافس السلحفاة في مسيرها، بينما العالم يسير بسرعة هائلة تجاوزت سنوات ضوئية مقارنة بما نحن عليه!، إلى متى يستمر الحال على ما هو عليه؟ سؤال برسم أولئك الذين يرسمون سياسات البلاد ويخططون لمستقبله! عفواً بل لمستقبلهم!.