أم الأزمات

آراء 2022/06/15
...

  د.عبد الخالق حسن
 
اختناق سياسي، هو أفضل توصيف يمكن أن نصف به حالنا السياسي الغريب الذي يأبى الهدوء. فبعد أن ظن الجميع أن تجربة الاحتجاجات التشرينية، بكل ما لها وما عليها، ستجعل الجميع يسلك سلوكاً مغايراً في العملية السياسية، إلَّا أن ما حصل لاحقاً أثبت صعوبة كبيرة وقلة في المرونة السياسية تجاه التحولات المفترضة، بناء على الانسداد الذي لم نشهد له مثيلاً بعد 2003.
المسؤولية عما يحدث لا يمكن أن يعفى منها فريق سياسي دون آخر، لأنَّ جميع القوى السياسية أدارت المشهد السياسي منذ التغيير، مع استثناءات طفيفة تحدث في أوقات متباعدة.
الأزمة الخانقة التي نعيشها اليوم تنذر بمخاطر يجب على الجميع أن يتدارك شرها. فالانقسامات ضربت المكونات الاجتماعية. وحالة الشد الحزبي تكاد تكون هي الأقسى عن سابقاتها. فضلا عن أن الأزمة الحالية امتدت لتشمل منطقة القضاء الذي صار عرضة للاتهام بسبب قراراته التي لم تأت على ذوق بعض الجهات السياسية.
لكن التحول الأخطر، هو الخطوة التي خطاها التيار الصدري بإعلانه الاستقالة الجماعية من البرلمان، وهي خطوة قد تفضي بحسب المتوقع إلى نزول الصدريين إلى الشارع على شكل احتجاجات ضد، الذين يقول الصدريون إنهم عطلوا مشروعهم السياسي. وهذه الخطوة الصدرية هي أمر غير معتاد منهم. ففي السابق كان الصدريون يسحبون وزراءهم من الحكومات، لكنهم يحتفظون بنوابهم في البرلمان، لكن ما حصل هو أمر يدفع إلى تعدد سيناريوهات الموقف الصدري اللاحق، الذي استعار اليوم تجربة جبهة الانقاذ التي كانت تمثل السنة، والتي انسحبت في 2007 من الحكومة والبرلمان. لكن الفرق هنا أن الصدريين ذهبوا نحو نهاية الحدث حين قدموا استقالتهم من البرلمان، وتركوا الساحة لخصومهم بعد أن حرروا حليفيهم ، البارتي والسيادة، من حلفهم الثلاثي. في الواقع تبدو الأمور الآن في صالح الإطار. لكن وفقا للمنطق والواقعية السياسية، فإنه لا يمكن للإطار أن يتحمل وحده مسؤولية إدارة بناء التحالفات والذهاب نحو تشكيل الحكومة من دون ضمان الحضور الصدري فيها.
التحول الجوهري يكمن هنا في انفكاك عقد التحالف الثلاثي الذي كان يقوده التيار الصدري، بما يعني أن هناك قواعد جديدة سترسم مسار التحالفات من الآن وحتى لحظة حضور الحل السياسي، الذي سيكون العمل فيه وفقاً لمبدأ التمثيل المكوناتي الذي سيعني اتفاق الحزبين الكرديين، مع إمكانية عودة فريق (مثنى السامرائي) إلى البيت السني. لكن تبقى المشكلة الكبرى هي في غياب التوافق الشيعي، الذي الذي هو العامل الأساسي في الاستقرار السياسي. ومع هذا الغياب ستظل حالة القلق هي السمة الأساسية للعملية السياسية، لأن الثقل السياسي للتيار الصدري صعب التعويض.
إن الأزمة الحالية الخانقة، هي بالفعل تمثل أم الأزمات السياسية التي اختبرنا الكثير منها سابقاً، لكن الحلول كانت تحضر في اللحظات الحاسمة، إلَّا في هذه الأزمة، فإنَّ الحلول تبدو بعيدةً حتى يقضي الله أمراً كان 
مفعولا.