مصطفى منير
عاشت زينب جاسم (20 عاماً) طفولةً قاسيَّةً، فعندما كانت صغيرة كان والدها يعتدي عليها بالضرب المبرح والتوبيخ على أتفه الأسباب، تقول زينب: إنها عانت جراء العنف الذي تعرضت له من قبل ذويها، حتى أجبرها والدها على ترك المدرسة، لكي يزوجها من ابن عمها وهي ذات الـ14 ربيعاً، وتتمنى زينب أن تربي أولادها من دون عنف، وأن تسعى لإكمال دراستهم، فهي لا تريد أن يعيشوا مثل ما ذاقته.
الدكتور قاسم حسين صالح رئيس الجمعية النفسية العراقية تحدث لـ(الصباح ) فقال "من خلال دراسات اجريناها على سجناء في سجن أبو غريب، وجدنا أن القائم بالعنف كان قد تعرّض في طفولته إلى عنف جسدي أو نفسي ولّد لديه الإحساس بما يعرف بالضحية، وأنه حين يتزوج يقوم لا شعوريا بتفريغ الحيف في أطفاله أو زوجته".
اضطرابات نفسية
وتفيد الدراسات العربية والعالمية بأن الذي يتعرض للعنف في طفولته يضطر إلى الكذب، خوفا من العقاب والتبول اللا إرادي، والتأتأة، ويقوم بسرقة والديه انتقاما منهما، او الهروب من البيت، وأنه حين يكبر يتعرض إلى اضطرابات نفسية اكثرها شيوعا الاكتئاب والقلق وفقدان الأمان وضعف الثقة بالنفس.
اختلاف وفشل
وحديثا توصلت دراسات طبية استخدمت الرنين المغناطيسي إلى وجود اختلاف تشريحي بين مخ من تعرض إلى العنف في طفولته، وبين من لم يتعرض له، وحددت بوجود خلل في الألياف العصبية، ووجود مادة بيضاء تبيِّن لنا نتائج خطيرة، إن من يتعرض إلى عنف لمدة طويلة في طفولته قد يؤدي به إلى الأنتحار حين يصبح راشدا، وقد تتعطل بشكل دائم وظائف عصبية بما فيها عمليات صنع القرار والمشاعر.
وأكد صالح أن الفاشلين في حياتهم الزوجية والعدوانيين كانوا في طفولتهم قد تعرضوا للعنف بنوعيه الجسدي والنفسي، وأن معظم مرتكبي السرقات كانوا من المعنفين، ما يعني أن الذين يتعرضون للعنف في طفولتهم يتحولون إلى لصوص، حينما يكبرون لينتقموا من كل شيء.
شخصية ضعيفة
ولخص الطبيب النفسي وسام الذنون، شخصية الطفل المعنف على أنها ضعيفة، بسبب عدم قدرته على مواجهة المجتمع، ما يؤدي إلى فقدان الثقة بالاخرين، حيث يمثل الأبوان مصدر الحب والحماية والأمن والراحة للطفل، وهي عناصر حيوية للنمو الصحي للطفل، وأن تعود الأطفال على الضرب يجعلهم غير مبالين بالوالدين فيؤدي إلى ضعف السيطرة عليهم، بسبب الإصابات والاضطرابات النفسية، التي تعرضوا لها مثل الاكتئاب والقلق والانهيار العصبي والهستيري والأفكار السلبية والسلوكيات الانتحارية، مع تدني مستوى الذكاء وانخفاض الأداء التعليمي بشكل كبير، إضافة إلى عدم الاستماع والتعلم لدروس ونصائح الكبار، بسبب الغضب العاطفي المتكون داخل الطفل، وقد يتعلم السلوك المنحرف كالهروب من المنزل والتدخين وتعاطي الكحول والمخدرات والافعال الإجرامية".
تأثير وسلوك
وبين الذنون بأن تأثير العنف في المعّنف في طفولته عند بلوغه يطغى على شخصيته صفة من الوسواس القهري، والقلق الدائم بسبب الخوف من الخطأ، إضافة إلى الخوف من الآخرين، ويظهر بشكل رهاب اجتماعي، او نقص الثقة بالنفس، او انعدام الجرأة في التعامل مع الحياة والناس، وعدم الشعور بالاستقرار والأمان حتى عند استقرار ظروف حياته.
وعن سلوك الأب المعنف في طفولته تجاه أطفاله قال: "يكون بإحدى الطريقتين أما قسوة زائدة اكتسبها من اسلوب القسوة لدى والديه، او دلال زائد كرد فعل تعويضي للقسوة التي عانى منها في الماضي".
تربية خاطئة
ويتعرض الطفل إلى نوع من العنف، لا سيما العنف الجسدي نتيجة التربية الخاطئة لدى أغلب الأسر، ما يؤدي إلى كبت ردة فعله بسبب الخوف وسيطرة الأسرة عليه، وتبدو آثار ذلك العنف حينما يصبح مراهقا وشابا، وربما عندما يكبر فتظهر عليه سلوكيات هي نتيجة ما تلقاه في طفولته.
هذا ما ابتدأ به الباحث الاجتماعي ولي جليل الخفاجي، مفيداً باستطاعتنا إطفاء هذا السلوك من خلال تشجيعه وتعزيز المهارات التي يمتلكها، وتوفير فرص النجاح له واختيار أصحاب لا يعانون من تلك الآثار، إضافة إلى إعطائه بعض مسؤوليات البيت لإعادة الثقة بنفسه وإخراجه دوما، لغرض قتل العزلة والتواصل مع الآخرين.
تحدث واستقطاب
ذكرت الباحثة الاجتماعية د.شذى قاسم في حديثها لـ(الصباح) إن أهم خطوة لعلاج هذه المشكلة هي أن يتحدث الشخص الذي يتعرض للعنف عن مشكلته، وإن جزءاً كبيراً من حل المشكله هو الكلام وإطلاق العنان لغضبه لاي شخص مقرب منه، سواء كان أخاً أو صديقاً، وهنا يكون دور مؤسسات الدولة الاجتماعية مهما جدا، لاستقطاب مثل هذه الحالات وينبغي أن يكون هناك قانون يعاقب الأهل الذين يستخدمون العنف مع أولادهم، ولا بدَّ من تكوين مؤسسات مدنية مهمتها نشر التوعية الأسرية وطريقة التعامل بين أفراد الأسرة، فضلاً عن مؤسسات إعلامية ودينية وتعليمية ينبغي أن يكون لها دور مميز في توضيح ماهِية العلاقة الزوجية والأبوية، لكلا الوالدين لتعزيز الترابط الأسري".
سلامة نفسيَّة
وبالعودة إلى الدكتور قاسم حسين صالح الذي اقترح تعديل المفهوم الخاطئ، الذي يربط الرجولة بالعنف، والتمييز بين عقاب ناجم عن غضب أو عدوان وبين عقاب تأديبي تربوي، إضافة إلى ضرورة توعية الأهل والمعلمين بأن العنف النفسي ضد الأطفال هو إهانة واحتقار لهم، فضلاً عن تفعيل دور المرشد التربوي والباحث الاجتماعي في المدارس لمنع استخدام العنف الجسدي والنفسي مع التلاميذ، مع اقامة دورات تدريبية لرجال الدين لإزالة المفاهيم الخاطئة التي تربط العنف بالدين، وقيام وسائل الإعلام بالتوعية العلمية عبر برامج وكتابات يتولاها اختصاصيون بعلم النفس والاجتماع، وضرورة اجراء فحص نفسي من قبل استشاريين بعلم النفس والطب النفسي، لكل راغب في الزواج يؤكد سلامته النفسية من الأسباب والعقد التي تدفعه لارتكاب العنف ضد المرأة والطفل.