الإحصاء السكاني في أغلب دول العالم هو بوصلة العمل الحكومي، من دونها لا يمكن لأي حكومة تستطيع أن تعمل وحتى أن عملت دون وجود إحصاء فإن عملها سيكون ارتجاليا غير مستقر، كونه لا يستند إلى احتياجات علمية موثقة، لذلك أطلقنا الفريضة الغائبة للدلالة على أهمية إجراء الإحصاء السكاني في العراق.
د. طارق عبد الحافظ الزبيدي
انجزت الحكومات العراقية المتعاقبة بحدود ثمان عمليات إحصاء سكاني منذ تأسيس الدولة العراقية لغاية عام 2003، وهي على كل عشر سنوات تقريباً
( 1927 - 1934 - 1947 - 1957 - 1965 - 1977 - 1987 - 1997)، ومع الأسف جميع المحاولات ما بعد 2003 لإجراء الإحصاء السكاني باءت بالفشل لأسباب متعددة، منها أمنية وأخرى لوجستية وأبرزها الاسباب السياسية التي تعيق اجراء الإحصاء السكاني، في بداية 2021 أعلنت الحكومة رغبتها الجادة لإنجاز الإحصاء السكاني نهاية هذه السنة 2022، ولكن في ظل الازمة السياسية الحالية هناك صعوبة في إنجازه ومع ذلك الجميع ينتظر
ويترقب. التساؤل الأبرز هنا، هل الدعوة إلى إجراء الإحصاء السكاني في العراق دعاية انتخابية، أم هي ترف فكري لكي نكتب حوله، أم أنها ضرورة لا غنى عنها؟ هنا نقول إن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، يجيب عن التساؤل، كون الإحصاء ضرورة وتحتاجه الحكومة العراقية، لغرض اكمال واجباتها بشكل أفضل، من خلال معرفة الحاجة الفعلية لمتطلبات المواطن العراقي الصحية والغذائية والسكانية وغيرها.
ويمكن أن نذكر الأهمية الاقتصادية والسياسية والصحيَّة لإجراء الإحصاء السكاني في العراق و كما أدناه :
1 - وضع الميزانية المالية العامة بحسب النسب السكانية.
2 - الاستعداد إلى الزيادة السكانية لغرض توفر فرص السكن والعمل والمتطلبات الاخرى.
3 - معرفة الاحتياجات الفعلية للتوظيف وتشغيل اليد العاملة.
4 - وضع الخطط التنموية المستدامة.
5 - توزيع المقاعد النيابية بشكل يتناسب مع التمثيل السكاني للمحافظات.
6 - حل جدلية المناطق المتنازع عليها وتطبيق المادة 140 بسهولة.
7 - حل أغلب الإشكاليَّة العالقة بين المركز وإقليم كردستان العراق.
8 - معرفة نسب ذوي الاحتياجات الخاصة لغرض توفير متطلباتهم.
9 - معرفة نسب ذوي الأمراض المزمنة لغرض توفير العلاج المطلوب.
10 - ممكن أن يكون الإحصاء قاعدة بيانات الكترونية مهمة تسهم في القضاء على الفساد الإداري والمالي، ويسهم في القبض على المطلوبين.
11 - ممكن أن يكون الإحصاء السكاني فاتحة خير على كل مواطن، لا يمتلك دخلا لكي توفر له الدولة دخل وتحقق العدالة الاجتماعية (بين من يمتلك راتبا ويمتلك سكن ملك وبين من لا يمتلك كلَّ شيء).
12 - هناك نقاط أخرى كثيرة جدا، ليس هناك متسع لذكرها تؤكد أهمية الإحصاء السكاني.
وبعد التعرف على أهمية الإحصاء السكاني في العراق، يبقى السؤال الأبرز عن أسباب عدم اجرائه بالرغم من أهميته القصوى، ممكن أن نذكر أبرز تلك الاسباب بما يلي :
1 - الوضع الامني بالذات في بداية التغيير السياسي منذ 2003 لغاية 2008.
2 - هناك رفض سياسي من قبل بعض الكتل السياسية، التي تعمل على ابقاء الازمات او ترحيلها دون حلها، وبالتالي لم يتم وضع الإحصاء السكاني ضمن سلم الاولويات.
3 - هناك نزاع قومي بالذات في المناطق المتنازع عليها، حيث بعض الكتل ترفض اجراء إحصاء سكاني قبل تطبيع الأوضاع في تلك المناطق.
4 - بعض الكتل ترفض اجراء الإحصاء السكاني، كونه قد يسهم في تغيير نسب المقاعد البرلمانية (زيادة أو نقصانا) عما هو موجود حالياً.
5 - هناك خلاف كبير بين الكتل السياسية بشأن محتوى استمارة الإحصاء بالذات، في ما يتعلق بذكر القومية والطائفة، بين رافض وبين مؤيد.
من خلال ما سبق يتضح جلياً أن اجراء الإحصاء السكاني في العراق أصبح ضرورة لا غنى عنها، كونه يسهم في انهاء الفوضى، ويسهم بالانتقال من سياسة التقدير (أرقام ونسب تقريبية) إلى سياسة الدقة (أرقام حقيقية ثابتة)، ولذلك نتمنى من أي حكومة قادمة او حالية أن تعمل على انجازه بشكل دقيق لما له من فائدة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وصحية ، فضلا عن فائدة قد لا يدركها البعض، ألا وهي الفائدة البحثية، حيث بالإمكان أن يسهم الإحصاء في رفد الرسائل والأطاريح والبحوث العلمية الرصينة بالمعلومة الدقيقة الخالية من التقريب.
كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد