همومُ المُطَّلِعينَ على خزائن الثقافات وأسرارها

ثقافة 2022/06/18
...

أين المترجمون ممّا يحدث في لغات العالم؟
 
استطلاع: 
صلاح حسن السيلاوي 
 
اللغات، تلك الحصون المنيعة إلّا على من خبرَ بُناتِها وحرّاسَها، من يدخلها ليخبرنا عن أهمّ وأعمق وأعلى ما فيها؟، أين نحن ممّا ينفعنا ويضرّنا فيها، أين نحن من فلسفاتها ومواضيعها، أين سنكون إزاء مستقبل مجتمعاتها. في سبيل الإجابة عن كل هذه الأسئلة، وقفت عند نخبة من مترجمينا بهذه الاستفهامات:    
ما رأيك بِكَمِّ ونوعِ الكتاب الأدبي المترجم، من اللغات الأجنبيّة إلى العربيّة في بلادنا؟ وما هي المشكلات الرئيسة التي تواجه المترجم العراقي؟ هل تهتم وزارة الثقافة، أو المؤسسات المعنية بتوفير فرص مهمة للإطلاع على الثقافة الأجنبيّة، وتصدير المنجز الإبداعي العراقي إلى البلدان عبر الاهتمام بصناعة مشهد ترجماني متميز؟ وما تقييمك لاهتمام دور النشر العربيّة والعراقيّة بالمترجم العراقي ومنجزه، وما الذي يحتاجه المترجم الآن لتحل كل مشكلاته؟. 
 
آخر القائمة  
المترجم صلاح السعيد لم يرغب بالحديث عن أهمية الترجمة ودورها في إغناء المشهد الثقافي والأدبي، لأنّه يرى أن الموضوع خاض فيه كثيرون، منهم المختصّ ومنهم المتطفل، على حدّ وصفه، مشيراً إلى أن الاهتمام بالترجمة بدأ في العراق منذ عصر المأمون، إلّا أن العراق أصبح في آخر قائمة الدول المهتمة بها الآن، فليس هناك عدد يذكر للأعمال المترجمة الصادرة، سواء في الشعر أو الرواية أو النقد وغيرها من الفنون الأدبية. مبيناً أن نوع الكتب المترجمة يخضع لذوق المترجم واختياره، وأن البلاد لا تملك مؤسّسة رصينة ترعى هذا الجانب، ما عدا دار المأمون التي تخضع للعلاقات الخاصة والأخوانيات، شأنها شأن كثير من المؤسسات والدوائر المعنية بالثقافة. موضحاً أن دار المدى اهتمت بهذا الجانب، لكنها اختارت أسماءً معينة ترفدها بالأعمال المترجمة. 
وأضاف السعيد بقوله: أن أوّل المشكلات التي تواجه المترجم العراقي، هي عدم توفر المصادر، والكتب باللغات الأجنبية، وذلك لندرتها وغلاء ثمنها، وصعوبة الوصول إليها فضلاً عن التفرّغ، الذي يجب أن يكرّسه المترجم من وقته لإنجاز أيّ عمل ترجمي. وبحسب علمي أنّه ليس هنالك مترجم متفرغ تماما لأداء هذا العمل.
  إنّ وزارة الثقافة هي آخر من يهتم بتوفير فرص للاطلاع على آخر مستجدات الثقافة الأجنبيّة، وإذا كانت الوزارة مهتمة بصناعة مشهد ترجماني عراقي مهم، فعليها أن تبحث عن وسيلة لتوفير الكتب الأجنبيّة باللغات كافّة، ومن ثم اتبّاع طريقة التكليف بالاسم، ولديها أسماء المترجمين ومن خلال الاستعانة بجمعية المترجمين العراقيين، أو اتحاد الأدباء وتخصيص مكافأة مجزية لكلّ مترجم يقوم بإنجاز عمل ترجمي.
أما اهتمام دور النشر العربيّة والعراقيّة بالكتاب المترجم، فإنّه يخضع للعلاقات الخاصة، وإذا كنت قد أنجزت عملا ترجميا ما، فعليك أن تلفّ على دور النشر وتعرض عليها منجزك وهذا بحدّ ذاته أقرب للتسول، وهذا ماحصل لي عندما انجزت كتابي (مئة يوم ويوم في بغداد) الذي يتحدث عن أيام الاحتلال وسقوط العاصمة.. المشهد الترجمي العراقي يدعو لليأس والاحباط مع الأسف. 
 
قوانين ومؤسّسات 
المترجم والشاعر رعد زامل يجد مشروع الترجمة في العراق ينطلق من رؤيا معاصرة، تواكب روح العصر، فما يصدر من كتب في البلاد يبدأ من محاولات فردية، أو من جهود دور النشر في سعيها لتحقيق ربح، على حدّ وصفه. 
وأضاف زامل متحدثاً عن واقع الترجمة في البلاد: أكبر مشكلة تواجه المترجم العراقي، هي عدم الاهتمام به من قبل الدولة، فالمترجم يحتاج الى تفريغ من الوظيفة، لكي يتسنى له تقديم الأفضل، ومزاولة هوايته الإبداعيّة في فنّ الترجمة وتطويرها، كذلك هناك غياب شبه تام لاهتمام المؤسّسات الثقافيَّة بالمترجمين، وسبل تذليل الصعوبات أمامهم. خذ على سبيل المثال المترجمين في محافظات العراق البعيدة عن المركز، العاصمة، إنّهم أشبه بالجنود المنسيين في ميدان المعركة، لا أحد يتذكّرهم بالمرّة. 
ليست هناك من ندوات أو مؤتمرات دورية، تعقد لدراسة ومناقشة مشكلات الترجمة في العراق. لماذا مثلا نقيم مهرجانات سنوية للشعر والسرد وننسى الترجمة؟ إنّ دور النشر تفكّرُ في تحقيق ربح مادي، وهذا من حقّها بطبيعة الأمر؛ لذلك فإن اختيار الناشرين لنوعية الكتاب المترجم، يستند الى معايير الربح وليس على معايير الفكر. بالنهاية يحتاج المترجم إلى قوانين من شأنها أن ترتقي وتتكفّل بمعيشته، وتفتح الطريق أمامه، من أجل المضي قدما باتجاه ما يحتاجه البلد من الكتب، وألا يظل المترجم يجري وراء معيشته فيبقى اهتمامه بالترجمة والثقافة عموما اهتماما ثانويا. يحتاج المترجم الى مؤسسات حكومية، توفر له الاصدارات الحديثة وتتكفّل بطباعتها وتقدم له الدعم والتشجيع. 
 
برنامج متكامل 
المترجم كاظم العبادي لفت في إجابته إلى ضرورة عقد وزارة الثقافة للجنة معنية ببرنامج متكامل، يقوم على اختيار وترشيح الكتب المترجمة، سيكون حينها ذلك أفضل من الاختيار الفردي. فضلاً عن الاهتمام بما يدور في العالم من حراك ثقافي عبر وسائل متعددة، ومنها القنوات الفضائيَّة. وتفعيل النشاط الترجمي بإطلاق سلسلة من الكتب. وإنشاء دار نشر خاصة بالترجمة تكون دارا كبيرة وفعّالة.
وقال العبادي أيضا: أرى أن من المهم التنسيق مع اتحاد الأدباء في العراق، للقيام بتراجم من ضمن إصداراته في مجالات الشعر والرواية والقصة، بالتعاون مع الاتحاد نفسه لترجمتها إلى مختلف اللغات.
كما يجب برأيي إصدار مجلة الكترونيّة تتحدث عن، نتاجات المترجمين الكبار، ونتاجات المترجمين الناشئين، وأخبار جمعية المترجمين. وأجد من المهم اختيار دار نشر لها تعاون مع شركة انتاج للعمل في صناعة السينما، والتواصل الجيد مع دوائر الدولة وبشكل مكثف.
هنالك أعمال يجب على الدولة ومؤسساتها أن تنتبه لها؛ لما لها من أثر مهم في الحياة العامة، ومنها التدقيق مع المترجمين القانونيين ومكاتب الترجمة. والتواصل مع التدريسيين حول النتاجات الترجمية. وعقد ورش عمل مع التدريسيين المهتمين بالترجمة. 
 شراء حقوق الترجمة 
المترجم عبد الحكيم ياسين، لم يجد عدد الكتب المترجمة من اللغات الأخرى للعربية كبيراً، في الوقت الحالي، وذلك بسبب توجه دور النشر والمؤسسات الثقافية المعنية بالكتاب، إلى الاهتمام بطباعة الكتب الجاهزة، باللغة العربية، مع وجود محاولات قليلة لاختيار بعض الكتب المهمة، ككتب النقد الحديثة.. وقد لخص ياسين المشكلات التي تواجه الترجمة في العراق بما يلي:
عدم توفر النص الجيد الحديث، في مختلف الاختصاصات مع صعوبة الحصول على موافقة المؤلفين الأصليين على ترجمة كتبهم، وشراء حقوق الترجمة منهم، حيث يصعب هذا على الأفراد، وهو عمل يجب أن تقوم به مؤسسة.. حيث نجد بعض دور النشر العربية تقوم بشراء حقوق ترجمة عدد من الكتب، ثمّ تعرضها على المترجمين.. وتفتقر معظم الدور العراقية، إن لم نقل كلها لهذا العمل.. علما أن المؤلفين الأجانب يتعاملون مع المؤسسات، وليس مع الأفراد لأجل الموثوقيَّة.. وكذلك لا يستطيع المترجم العراقي (معظمهم) الحصول على أحدث الاصدارات التي تحقق فائدة فكريَّة.  والمشكلة الأخرى هي أجور الترجمة، إذ نجد الكثير من دور النشر العراقيَّة، تبخس حقوق المترجمين بمنحهم أجوراً زهيدة فضلاً عن المماطلة في دفعها.. وهذا ينطبق على بعض دور النشر العربيّة ولكن بشكل أقلّ حدّة.
وعن موضوعة تصدير المنجز الإبداعي العراقي قال: أنا أشعر بعدم وجود هذا التوجه بشكل كبير، باستثناء محاولات المشاركة في معارض الكتب العربيّة فقط، وليست المعارض العالميّة ومحاولات فرديّة هنا وهناك، لشخصيات أدبيّة وفكريّة مشهورة أما مهاجرة إلى أوربا.. أو أن لها مروّج ما.. وهناك محاولة شرع بها اتحاد أدباء محافظة ميسان بترجمة نصوص شعريّة وقصص قصيرة، طبعها في كتب، إذ كان الاتحاد قد أتفق مع بعض الأدباء المتواجدين خارج البلاد في أوروبا، لإيصال هذه النتاجات الأدبيّة الى أوربا. لكن تبقى المحاولة فرديَّة في هذا المجال. 
وقال أيضا: نحتاج كمترجمين إلى مؤسسة أو جهة رصينة تعمل على توفير الكتب الأجنبيَّة الحديثة، وتستحصل على موافقات المؤلفين الأجانب وشراء حقوق ترجمة كتبهم.. ونحتاج إلى حفظ حقوق المترجمين وحمايتهم من السرقات الأدبيّة.. ونحتاج إلى دعم مؤسسات النشر والتوزيع، لإيصال المنجز العراقي المترجم إلى اللغات الاجنبيّة. والمنجز العراقي المترجم من اللغة العربية. وإيصال هذه التراجم إلى دور النشر والتوزيع العالميَّة. 
 
 
سلسلة «مئة كتاب مترجم» 
المترجم هيثم الزبيدي، تحدث عن تراجع المنجز الترجمي في العراق بشكل ملحوظ، منذ مطلع التسعينيات، مشيراً إلى أن الساحة الثقافيّة، لم تشهد عملاً موازياً لسلسلة "مئة كتاب مترجم"، تلك السلسة المهمة، التي صدرت عن وزارة الثقافة/ دار المأمون. 
وأضاف الزبيدي موضحاً: هناك الكثير من الأسباب التي تقف خلف هذا التراجع، ويأتي في مقدمتها تغير أولويات الدولة العراقيّة، وغياب الرؤيا الواضحة، فضلاً عن عوامل أخرى كغياب المركزيّة في تنسيق الجهد الترجمي، وتبعثر الجهود وهجرة المترجم الكفء، وقلة التخصيص المالي وغياب المؤسسات التدريبيّة، التي تطوّر قدرات المترجمين الشباب. 
أما المشكلات الرئيسة التي تواجه المترجم العراقي، فهي كثيرة جداً، أولها غياب التنسيق، إذ تجد كتاباً واحداً يترجم مرات عديدة، بينما غابت ترجمة كتب أخرى جديرة بالنقل، وبعض تلك المشكلات ماليٌّ بحت، فالمترجم الذي لا يلقى أجورا مجزيَّة في العراق، يتجه إلى مؤسسات أجنبيَّة، توفر له الدعم المالي الذي يحتاج إليه من دون شك. وهناك مشكلات تتعلق بغياب الاستدامة في مهارات الترجمة، لأنّها تحتاج الى تطوير مستمر في المهارات وتدريب الجيل الأول لبناء الجيل التالي وهكذا.
كما أنَّ تصدير المنجز العراقي لا يحتاج إلى وزارات ثقافة لكي يتم، فالعمل الجيد الذي يحقق نجاحا لافتا هو الذي يستقطب الترجمات، ولا أدلّ على ذلك من رواية (فرانكنشتاين في بغداد لأحمد سعداوي) التي ترجمت إلى اللغات الأجنبيَّة المهمَّة كافة، إذ تهافتت دور النشر عليها.
المترجم العراقي يعتمد على جهوده الفرديَّة، في الاختيار والترجمة والنشر، أما اهتمام دور النشر به فهذا راجع لحاجتها هي لإصدار وتوزيع الكتب المترجمة وليس العكس.. كما أن دور النشر لديها هيئة نشر وخبراء وهم الذين يبتون في جدوى النشر من عدمها.. ليست هناك امكانية لحل مشكلات الترجمة كلها، فهي كثيرة وتختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر. 
 
 
تهميش 
المترجم حسن هادي، بيّنَ بإجابته تهميشاً يطال بعض المترجمين لصالح آخرين ليسوا بأفضل منهم، ولكنهم يتبوؤن مناصب في الدولة أو في بعض المؤسسات والجمعيات التابعة لها، مشيراً إلى عدم رقي ترجمات هؤلاء المترجمين إلى المستوى الفني واللغوي اللائق بالمترجم عامة وبالمترجم العراقي خاصة، ومع ذلك فلم تزل دور النشر التابعة لدوائرهم أو جمعياتهم ترفد المشهد بكل ما هو سيء موضوعا ومضمونا وأسلوبا، على حد تعبيره. وطالب هادي بالحصول على التأييد والدعم اللازم من قبل الجهات ذات العلاقة. 
في حين أوضح المترجم الدكتور باسم جبير أن جمعية المترجمين العراقيين، لم تُعطَ أهمية ولم تدعمها وزارة الثقافة لرفدها بالترجمات الدقيقة والناجحة، إذ تعد الجمعية السلطة العليا للمترجمين، بغض النظر عن دور الترجمة التابعة لوزارة الثقافة.