أزاهير متَّقدة : تداخل الأغراض والمساحة العروضيَّة

ثقافة 2022/06/18
...

 ريسان الخزعلي
 
( 1 )
 
مهفهفةُ الأرداف تنساب في الرؤى
علاها من النهدين حُسن الشرائحِ
بغير ارتياد الثغر يفتر ريقها
بأندى شعور المرء عند المدائحِ
وكانت تغض الطرف عن كلّ موجر
روتهُ ندى الأنسام حين لواقحِ
شذاها من الألطاف ريح تهامةٍ
وأخرى تميد القلب دون روائحِ
حجازيّة الأطراف ما بال وركِها
عظيماً تجلّى دون رصِّ المطارح..
 
هكذا، هي رنّة الشعر في مجموعة «أزاهير متّقدة» للشاعر وليد حسين، رنّة تأتي برياح الاشتعالات الأولى للقصيدة في الشعر العربي، رياح محملة برمال الصحراء وأطياف مدنها، وكأنَّ الشاعرَ حفيدٌ وارثٌ للديوان الأول، غير ملتفت للهزّات الشعرية وتحولاتها. إنّه مسكون بالشكل والنمط الأوّلين وغير منصت لتبريرات والمت صانعيها. إنّه الشاعر الذي يمسك بأوتاد الخيمة الخليليّة على مرأى من الآخر. 
 هذا هو المفتتح الاستهلالي الذي أجده الأقرب إلى الصواب في تقديم المجموعة، غير أنَّ ثمّة مفتتحات أخرى تتناسب طردياً أو عكسياً مع اتقاد هذه الأزاهير التي  تُحاول أن تخطف أعلى صفة من النار..، والنار هي التحوّل الأوّل للماء على حدِّ قول العرفانيين في تجلياتهم المعرفيّة.
 
( 2 )
قصيدة الشاعر لاتمسك موضوعاً واحداً، وانما تتشاغل بموضوعات تنفتح إلى أكثر من مستقرّ شعري، شأنها في ذلك شأن (القصائد الأولى) حيث: النداء الروحي  والطللية والتغزل والرثاء والتحسّر والمكابدات والصبوات واللمحات الفلسفية..، وكلّ هذه المستقرّات تجتمع في صيحة واحدة وبتردّد واحد في القصيدة، ولاغرابة في ذلك، فالشاعر كما قلتُ آنفاً، يعمل وكأنه الوارث للديوان الشعري العربي الأوّل: 
 أنا ابن هذي الأرض أشقى بشُرعةٍ
ولست مصيباً من مغانمها سَهَما..
 
( 3 )
في توصيف المقاربات الشعرية، يكون الشاعرفي هذه المجموعة وغيرها، على مقربة من شاعرين ذي ملمحين متفرديَن، هما (أبو العلاء المعري وأحمد الصافي النجفي)..، ومثل هذا التقارب لا يعني التقليد، وانما يُشير إلى المناخ الشعري العام الموصوف (ببرودة الفضّة) عند الشاعرين، فضلاً عن حسّيتهما في التأمل الوجودي. كما أن هذا التقارب، هو ما يمنح حسين خصوصيته الشعرية التي ينفرد بها من بين مجايليه، وهنا أستحضر القول: ما من شاعر مهم إلّا وفيه شيء من شاعر مهم سبقَه: 
وعند سماعي للمجيب توسّعت
مداركُ أفهام يضيق بها الأعمى.
............،
أجسادنا طين انبعاج الكونِ من
ماء مهين.. إن تخلّفَ منهل.
.............،
لا لست مثلي.. لي مجسّات..،
أباحت من عظيم الشك ّفي الحَدَثان.
 
( 4 )
يتمتع الشاعر في هذه المجموعة بمساحة ايقاعيّة/ عروضية واسعة، مما أبعدها عن المناخ الخانق وملل التكرار، فقد استعمل من البحور: الكامل، الطويل، البسيط، الوافر، الخفيف، المديد، المتقارب، الرمل. وبذلك تشاغل موسيقيّاً مع نصف الجدول العروضي الخليلي، وهذه براعة عروضية تُشير إلى ممكنات الشاعر بوضوح. كما ضمّت المجموعة بعض النصوص النثرية والتي لايمكن توصيفها بقصيدة نثر، وانما يصح فيها تسمية/ أدونيس/ بأنها «نصوص غير موزونة»، وهي نصوص لاتمسك الشيء الكثير من الاتقاد مقارنةً بصولة الشاعر (الوزنيّة).
 
( 5 )
التقديم، يلزمنا بعدم الاستغراق 
كثيراً، وأزاهير وليد حسين متّقدة، 
وتغري بالمطاردة البصريّة والسمعيّة والروحيّة.