البيت العراقي

آراء 2022/06/18
...

 حسب الله يحيى 
في السياسة العراقية الراهنة، التي تعاني من سلسلة عقد وازمات حادة؛ يزداد الحديث ويتكرر ويتحول إلى مسألة ملحة تتعلق بتقسيم البيت العراقي الواحد إلى عدة (بيوت)، كما لو أن العراق بات مقسما على وفق مواصفات كل بيت من هذه البيوت: الشيعية والسنية والكردية والتركمانية والمسيحية والسريانية والصابئية ووو.
 
ولا توجد مثل هذه (البيوت) في علم السياسة، مثلما لا توجد مثل هذه التسميات في اي بلد من بلدان العالم، مع أن في كل بلد من البلدان العديد من الاديان والقوميات والعشائر والطوائف  والمناطق. 
إلا أن أحدا لا يمكن أن يطلق على اي مكون من مكوناته مثل هذه التسميات، التي تعطي انطباعا سلبيا كما لو أننا مجموعة متفرقة من الاقوام المتصارعة والمتناقضة والمختلفة والمتنافسة مع بعضها البعض.. ليصبح كل بيت من هذه البيوت مختصا ومعنيا ومهتما بالبيت، الذي ينتمي اليه ولا يعنيه من الوطن والمواطنه سوى هذا البيت بعينه دون  سواه .
ومثل هذا التقسيم الفج الذي اطلق عليه عدد من دعاة (التحليل السياسي) 
بـ(البيوت) يؤكد حجم البغضاء والكراهية الحادة والخلاف الدائم بين بيت وبيت في عراق، كان يجتمع على المحبة والتآخي والتآلف، من دون أن يعرف أحد مذهبا أو قومية أو مناطقية أو عشيرة الآخر. فما يهم العراقي أن يكون الآخر من أبناء وطنه، ذلك أن الوطن هو الذي يوحد الجميع في خيمة وطنية قائمة على الانتماء الوطني والمواطنة لا على اي انتماء سواه .
اذن ما الذي جرى في أحوالنا اليوم، بحيث بات كل بيت يعد أسواره قلعة خاصة به، ولا يريد من أحد الاقتراب منها في حالة الوصول إلى مصالح ومنافع مشتركة من دون الوصول إلى قناعة اي طرف من 
الأطراف .
إن العراق واحد ولا يمكن أن يتجزأ أو يتخندق في مجموعة بيوت محدودة الأسوار وبعيدة عن الآخرين، إن الإدعاء الذي يبسط ظلاله اليوم على ألسنة (المحللين والسياسيين) يفترض أن نرفضه لأنه يمزق الكيان العراقي الموحد، ويحوله إلى فئات حزبية او طائفية متناحرة، من اجل المناصب والمواقع وليس على شيء سواهما ؛ في حين يعد البيت العراقي، هو البيت الذي يفيئ إلى ظلاله كل وطني مخلص لهذا الوطن، الذي مزقته الفئات السياسية الجديدة، التي لا يراد ليها أن تتوحد وتجتمع على مائدة الوطن الذي نعيش في 
قلبه .
من هنا نرى أن الدعوة من قبل أي فئة سياسية إلى تحديد الوطن وتحويله إلى عدة بيوت؛ هي دعوة لا تنسجم مع ارادة العراقيين وطموحاتهم وآمالهم في بناء وطن يسوده الأمن والسلام 
والوئام .
فالوطن الواحد، وطن تتوحد فيه كل الأجناس والطوائف والعشائر والمناطق، بعيدا عن هذه التقسيمات، التي جاء بها الاحتلال بعد 2003 وعمل على توسيع رقعتها لتصبح على لسان الكثيرين من دون انتباه إلى سوء استخدامها، او النظر إلى نتائجها، إن عراقاً يراد له أن يكون حراً وآمناً وسعيداً ومستقلا؛ لا بدَّ أن يتخلى عن الحديث الفئوي، الذي ينظر بمنظور أحادي طائفي وعنصري، مرفوض من قبل اي جهة كانت تتحدث عن العراق على أنه جملة (مكونات او بيوت) تتصارع في ما بينها، إن لحمة العراقيين واجتماعهم على بناء بلدهم، لا يمكن أن يقوم ويتعزز ويأخذ مكانته بين الأمم ما لم تتوحد صفوفه، وتتفاعل قيمه الوطنية التي توحده وتجمعه على قيم الخير والمحبة 
والسلام.