النساء والتوضيح

آراء 2022/06/19
...

  حارث رسمي الهيتي
 
في كل مرة نمتحن هذا النظام- دولة ومجتمعا- بشأن قضية جوهرية مثل حريتنا في إبداء الرأي والتعبير عما نعتقد به يصعب علينا اثبات وجودها، ورغم ايماني المطلق بأن واحدة من الاكاذيب التي يراد منا أن نصدقها إن ثمة مجالا/ هامشا للحرية علينا أن نستغله ونحمد الله عليه، فالبلاد أفضل من غيرها من هذه الناحية، إلا أنني اندفع من جديد مع الحالمين مثلي لأن نختبر وجودها مرةً بعد 
أخرى.
 منذ شباط 2011 ترسخت قناعتي بأن ليس ثمة مادة دستورية واحدة من الممكن الاعتماد عليها في حال تمَّ اسكات أي رأي مختلف. 
فقد صيغت أغلبها لتكون مواد "زئبقية" يمكن تفسيرها في كل مرة تفاسير مختلفة. 
ولم تأخذ الدولة/ الحكومة/ البرلمان أي اجراء في سبيل تشريع وإنفاذ قوانين، تضمن لنا حقنا في التعبير بعد أن توهمنا للحظة بأن زمن الكبت وتكميم الافواه قد ولى. 
نظرة سريعة لتاريخنا القريب منذ الغزو الأميركي سنكتشف بأننا نخنق كلما "استأسدت" الحكومة، لذلك فنحن وإن عشنا "حرية"، فما هي الا حريةً نسبية نتجت عن ضعف الدولة، بينما يبقى الحلم أن نعيش الحرية التي توّلدها وتدافع عنها قناعة النظام السياسي "الديمقراطي" بها ويحميها قانون قوي يقف بوجه محاولات الاسكات بالقوة في كل مرة. 
في حادثة ليست بالأولى ومؤكد أنها لن تكون الأخيرة، تم إلغاء حفل لـــ"مطرب" عربي كان من المقرر اجراؤه في بغداد، ولا شأن لي هنا بالجهة التي تقف حول هذا التحشيد واقامة الصلاة على أسوار مكان الحفل لإلغائه، فهو عمل مرفوض قطعاً، وعلى الحكومة أن تضع حداً لمثل هذه المحاولات، قبل أن يُفرض علينا ارتداء اللباس الشرعي واطالة اللحى، ولا بالذائقة الفنية التي قسمت الرأي حول ما يقدمه، الغريب هو أن يقوم بعض "المدنيين" بمحاولة بائسة لخلط الأوراق بين من تبنى موقفاً رافضاً لوجود "مطرب" متحرش – متهم أو محكوم- من باب الموقف الأخلاقي والانساني، وبين من حشّد وتظاهر لإلغاء الحفل، بوصفه حفلاً غنائياً وهذا يقع في دائرة الـــــــ "حرام". 
وهنا من المهم أن أثبت ان التضامن فعل انساني عظيم، ولا يحق لأحد أي كان أن يسفه هذا الفعل أو يدلنا على كيفية استخدامه، حتى وإن اعترضنا على متحرش أو مغتصب وكانت ضحيته فرنسية، ولا أدري كيف يمكن لهؤلاء أن يتصوروا إن للمبادئ التي نعتنقها حدوداً جغرافية أو فوارق 
هوياتية.