غبار الكلام

آراء 2022/06/19
...

  حمزة مصطفى
تترك في العادة هاتفك على مقربة من رأسك حين تنام، وعندما تستيقظ صباحا فإن أول إجراء تقوم به هو فتح الهاتف، لمعرفة مصير آخر النقاشات والحوارات وربما العركات التي تركتها معلقة بعد أن غلبك سلطان النوم. 
 
تنهض متكاسلا إلى البراد لتأخذ "كلاص" ماء بناء على نصائح طبية، بشأن أهمية الماء قبل الفطور. ثم تلقي نظرة من شباك الحديقة على سيارتك التي يجللها غبار الصباح. أنت محاط إذن بكل أنواع الغبار. عاصفة في الجو وعواصف في التلفون. 
هذا الجهاز الذي تبين أن هو الذي "إنطوى فيه العالم الأكبر". لم يعد مهما ترداد صدر هذا البيت اليتيم "وتحسب إنك جرم صغير". لا تحتاج حديقة منزلك أو سيارتك سوى القليل من الماء لكي تغسلهما. لكن بالمقابل أيكفي "فرمتت" الهاتف لإزالة غبارالكلام عنه؟ هل يكفي مسح الرسائل والفيديوهات، التي تصلك على مدار الساعة، بل الدقيقة حاملة لك شتى الأفكار والمعلومات والآراء والمواقف والعركات والدكات العشائرية، التي تقام مرة بسبب "جريذي" ومرة بسبب لعبة كرة قدم. 
قد يقول قائل الا تستاهل لعبة كرة القدم نزاعا بين المشجعين؟ ماذا تسمي "نطحة زيدان"؟ الا تستأهل "دكة" بل دكات لو كان لخصم زيدان "عمام"؟ أما الكارتات الصفر والحمر بيد الحكام، فهي إحدى العلامات الفارقة في عالم كرة القدم. لكن كل هذا المستطيل الأخضر لا بين العشائر. وربما بالكراسي كحد أقصى من أسلحة المتخاصمين لا الأحاديات والرباعيات مدعومة بشتى الهوسات، التي تستذكر أمجاد حسن بلة ودوكلص عزيز وقاسم زوية وجمولي. تترك غبار النزاعات والدكات لتستقبلك بعد "الريوك"، كل أنواع المفاجآت السياسية التي تتمحور كلها حول الانسداد ومقترباته. لا أحد يعرف ماذا يحصل ومتى يحصل وكيف يحصل. الغبار يحاصرك عبر تصريحات وبيانات وتغريدات. 
وبينما يتناطح المحللون السياسيون مرة حول نظرية المسح الكلي، وأخرى حول السبحة يتأبط عماد باجلان العود، باعثا رسالة إلى بلاسخارت مؤداها "خالة شكو شنهو الخبر دحجيلي". 
بعد أن تأخذ قسطا من تعب النهار تعاود حكايتك مع الغبار. أي الغبارين أهون؟ غبار صادق عطية، الذي يتوقع لك العاصفة الترابية من لحظة دخولها طريبيل بلا جمرك، وصولا إلى العاصمة, أوغبار الكلام الذي ينفضه في وجهك كل دقيقة هاتفك النقال؟ غبارالجو يغسله الماء بينما غبار الكلام "يوغف" على "قلبك" لا تنفع منه كل أنواع مزيلات الحموضة.