زينب ناصر الأسديّ

ثقافة 2022/06/19
...

أنا زينب ناصر الأسديّ سومريّة هادئة من زمن غابر نبتت في حين الأعاصير قبل سبعة وثلاثين ربيعًا كلّما حلَّ تناوشَته تلابيب الشتاء، وُلدت بعد مخاض عسير من رحم كربلاء لذا أتقن الصراع، ومازالت صراخات أمّي تزلزل أوتاد العتاة وتَخيط بأناملها أثواب الليل، هجرتُ أحضانها بعد أن أغوتني عطور الياسمين الدمشقيّ، فدرستُ هناك حيث البوح الشجيّ لنهر بردى وسهل الغوطة الغنّاء، اعتراني التلعثم في يومي الأوّل في المدرسة وخجلتُ عندما ناديتُ معلّمتي (ست) بينما نادتها زميلاتي (آنسة) فتعرّضتُ لسيل ضحك جارف، تغمرني مشاعر الشكر والامتنان  لأبي الذي علّمني قواعد اللغة بعد أن برَعَت بها زميلاتي فلولاه لكنتُ قشّة تتقاذفها الهمزات واللمزات، حصلتُ على البكالوریوس من کلیّة الشريعة قسم الفقه المقارن ثمّ انشغلتُ بالتدريس والكتابة، أوّل رواية قرأتُها (عدالة السماء) لأجاثا كريستي جلبها أبي من سفرة إلى اليمن، كانت هديّة ثمينة فتَحَت درفَتي باب واسع على مصراعيه للخوض في عالم الروايات لكي تنهشني بارتياح، بين أوّل نصّ كتبتُه وآخر نصّ ثمّة مسافة شاسعة للبوح تتشبّث بها الأفكار بالملامح البضّة، تقامر وحدتها وهبوطها الاضطراريّ في سفح البياض الشاسع للورقة لتسرد حكايات خياليّة من عمق الواقع، أمّا آخر كتاب قيّدني هو (الفردقان) ليوسف زيدان.
 إنّ الحبّ في قواميسي متشعّب لا يمكن التكهّن بجذوره لا ينفكّ يبسط سلطانه في كلّ الاتجاهات وللصدمة دومًا حكاية تُخفي الجرح ضمن الملامح الباردة، تلك القادرة على الصمت رغم استفحال الضجيج في دهاليز القضيّة ومن أعظمها أن تفقد عزيزًا كنت تسامره في قفار الحزن، يربّتُ على كتفيك ويضمّك في حضن الظلام فتخسره ذات غروب، أمّا أكبر فرحة فهي صدور مجموعتي الأولى (تيه الورد) حيث التسلّل من نوافذ السكوت والهمس المؤجّل.
 العطر سرّ انجرافي وتغويني الإقحوانات وأكثر شيء أكرهه البطالة، أتعجّبُ من المتسكّعين في دهاليز اللا شيء السائرين نحو اللا مكان حيث التراكم الفاحش للتراخي والتدنّي والغفلة.
 أمّا الجنّة فعالم أثيريّ بعيد عن التصوّرات لا يمكن إدراكه، هو ترتيب بعد تبعثر ولملمة بعد شتات حيث الإبحار مع النوارس البيض إلى جزر الاطمئنان بينما النار ذؤابات العمل السقيم.
أخاف من انجماد البوح في مسارات الحكاية وخذلان النهايات، يُثيرني اختلاط الألوان وأكره الشحوب، ثمّ أنّني لا أموت أبدًا من أجل فكرة خائنة اعتادت ظلالُها عناق الرحيل عند أوّل ضوء.لقد كانت هوايتي منذ الصغر زركشة الكلمات وتنسيقها في أصيص العبارات بحلّة أنيقة تثير لحنًا يغمز المعاني لترقص في إيقاع موزون على سطور الدهشة، صدرت لي مجموعة قصصيّة عن ورود تائهة كما نُشرت العديد من القصص ضمن مجاميع مشتركة، منها: هجرة فتاة، نشيج الأقحوان، وفوضى الثقوب.
القلم عندي صديق مشاكس والحبر رفيق خائن يلوّث أيّامي بصلافة أكره حبّهما، يثيران حنقي في معظم الأوقات فنتجادل ونتخاصم ونعيش تشابكًا مربكًا ولكنّنا لا نستطيع الفراق.
حلمي أن تعود طيور اللقلق للتحليق بسلام في سماء العراق وتعشّشُ فوق المنائر والكنائس مستهزئة بالمسافات تشير لها حبيبة بإصبعها مدهوشة فيبتسم لها حبيب، وتغمرنا الألحان طاغية على دويّ الموت الملوّن، كما أحلم أن تطول الأشجار وتطول في جانبي مدينتي لنصنع منها العرائش التي تمنع تسلّل بنيّات الصحاري في أيّار وحزيران وتصدّ لهيب الشمس في تموز، أمنيتي أن أسافر على متن قصيدة أبحث عن مطر وأقود حشود الغيم، ترى هل سيهمي المطر؟ أم ستعزف الفراشات الوعد نفسه على توابيت الحلم وتعدنا
بالرحيق؟