{سوالف} حسن فالح.. سردٌ نغميٌّ متخيل

ثقافة 2022/06/20
...

 مهدي هندو الوزني
عند سماعي لمقطوعة (سوالف) لعازف القانون الموسيقي المبدع حسن فالح، لاحظت أنَّ هناك مقاربة في البناء الفني للمقطوعة مع البناء الفني للحكاية الشعبيَّة، لذلك آثرت قراءتها من هذا المنظور وتبيان جماليَّة هذا البناء الفني النغمي.
 
تباينت الآراء واختلفت التعريفات والمصطلحات في مفهوم الحكاية والذي أنتج بالتالي عدة مسميات في جميع البلدان العربيَّة، فمثلاً في مصر عرفت الحكاية باسم (الحدوتة) وفي سوريا تسمى (الحتوتة) وفي تونس (الخروفة) وفي العراق (السالفة)، وللحكاية جملة من القواعد التي تدخل في بنائها الجمالي وأول هذه الجماليات هو العنوان وكما هو معروف فإنَّ العنوان من المتعاليات النصيَّة التي تواجه المتلقي وتجذب انتباهه لدخول عوالم النص.
وتظهر البنية الجماليَّة لـ"سوالف" التي اختارها الموسيقي حسن فالح عنواناً لمقطوعته الموسيقيَّة بشكلها المكثف والموجز والمعبر عن مضمون النص الموسيقي الذي كتبه، مشابهاً أو مقارباً من البنى الجماليَّة العنوانيَّة للعديد من الحكايا الشعبيَّة في إيجازها وتكثيفها مثل حكاية (السعلوة) و(الطنطل) وغيرها..
يرى الباحث الدنماركي أكسل أولريك في تحديده لقواعد البناء في الحكاية الشعبية أنها لم تفاجئ المتلقي في بدايتها ونهايتها وهذا ما نلاحظه في البناء الفني لمقطوعة (سوالف) فقد بدأها فالح بدخولٍ هادئ لآلتي الطبلة والرق بإيقاعٍ من الوزن الثقيل مبتعداً عن الدخول الصاخب والقوي كما في بعض المقطوعات الموسيقيَّة كي لا يفاجئ المتلقي السامع ومن ثم دخول الفرقة الموسيقيَّة بجميع آلاتها بشكلٍ انسيابي هادئ أيضاً، وببناء نغمي تعاقبي؛ أي أنَّ الجملة الموسيقيَّة تعقبها جملة أخرى وبالبنية اللحنيَّة ذاتها، سواء في الصعود أو الهبوط.
كذلك من جماليات وقواعد البناء الفني للحكاية الشعبيَّة أنها تهتم بإبراز حدثٍ معينٍ من خلال تكراره، وهذا أيضاً كان من جماليات البناء الفني الذي اشتغل عليه حسن فالح في "سوالف"، إذ كرَّرَ المقدمة خمس مرات، اثنتان في بدايتها باختلاف الإيقاع، إذ كان الأول إيقاع الثقيل والتكرار الثاني إيقاع المقسوم واثنتان بعد (صولو) آلتي القانون والكمان والتكرار الأخير في نهاية المقطوعة أي خاتمتها.
ومن جماليات البناء الفني للحكاية الشعبيَّة أيضاً توالد المقاطع؛ أي أنَّ هناك مقطعاً يلد مقطعاً آخر يشابهه في البنية ويختلف في الفكرة، ونلحظ ذلك في بنية العبارة الأولى لصولو آلة (القانون) مع العبارة الأولى لصولو آلة (الكمان) فهما متشابهتان في البنية اللحنيَّة ولكنهما مختلفتان في الفكرة التي يوضحها اختلاف المقام، ومن جماليات البناء الفني للحكاية الشعبية هي تقنية التضمين أي أنَّ الحكاية الواحدة تتضمن حكايات أخرى ولو افترضنا أنَّ المقدمة الموسيقية لمقطوعة (سوالف) هي الحكاية الأولى ستكون صولو آلة (القانون) هي الحكاية الثانية وصولو آلة (الكمان) هي الحكاية الثالثة.
غالباً ما تكون الحكاية الشعبيَّة بسيطة في بنيتها السرديَّة وكذلك جاءت البنية السرديَّة النغمية اللحنيَّة لمقطوعة (سوالف) بسيطة وخالية من التوزيع الموسيقي المتشابك والمعقد والقفزات الانتقاليَّة النغميَّة المتباعدة، بل كان النسيج اللحني مترابطاً ويصور للمتلقي السامع التسلسل الزمني للسرد الحكائي، البعض من الحكايا الشعبية سردٌ لأحداثٍ متخيلة، ومقطوعة (سوالف) هي الأخرى سردٌ نغميٌّ لحنيٌّ متخيلٌ أنتجته أفكار الموسيقي المبدع حسن فالح الذي أشرك معه المتلقي السامع في استحضار الحكاية (السالفة) التي يجد أنها شبيهة لما يسمع وبالتالي الوصول الى المتعة الجماليَّة في هذه (السوالف).