قلق الأداء أو رهبة المواجهة في المسرح

ثقافة 2022/06/22
...

 د. علاء كريم
إن الخوف من التحدث أمام الجمهور، والذي يعرف بقلق الأداء أو رهبة المواجهة مع الجمهور أو رُهاب المسرح، يؤدي إلى آثار سلبيَّة، منها: عدم الثقة بالنفس واحترام الذات، ويمكن أن يتسبّب أيضا في ترك العديد من الالتزامات التي تعنى بالمسرح وحتى في الأشياء البعيدة عن هذه المساحة الفنيَّة. 
وهكذا قد تتوغّل الحريّة، ويبرز مفهوم الوجود الوهمي، ممّا يعانيه الإنسان «الفنان» من الاغتراب فيتقمّص الآخرين ولا يجد نفسه، وهذه المرحلة تمثِل نوعاً من عدم الوجود.
ويُعرف الخوف من المسرح أو من الأداء على أنه حالة من القلق، تحدث عندما يتوجب على الممثلين الأداء أمام مجموعة من الناس، إما مباشرةً أو من وراء شاشة: أمام الكاميرا. إذ يمكن لرهبة المسرح التأثير على جميع أنواع الأشخاص الذين يتعين عليهم الظهور أمام الجمهور، حتى عندما لا يكون عليهم التحدث.
إنَّ النقطة الجوهريَّة في فكر «هايدغر» هي عدم تقليده للآخرين، وهذا ما أكّده عبر قراءته «الوجود إلى العدم»، أنه كان نفسه ولا شيء آخر، ولم يهتم بالنقد والاتهامات، فقد آمن بأفكاره الشخصيّة وفلسفته الخاصة، ومضى في طريقه وحيداً نحو الهدف الذي رسمه بنفسه، ووصل إلى أبعد نقطة ممكنة، لأنّه كان يعرف مساره وهدفه، ولو كان متردّداً لما حقق أي إنجاز، وكما قيل: لا يذهب بعيداً من لا يعرف إلى أين هو ذاهب، وهذا الأمر يُحسب له بغض النظر عن طبيعة أفكاره.
وفلسفة هايدغر شديدة التعقيد والتوسّع، فهي محدّدة بمفاهيم، منها: القلق، الاغتراب الموت ويمكن تبسيطها على النحو الآتي: إنّها فلسفة تقوم على فكرتين مركزيتين: الوجود «حياة الإنسان» والعدم «الموت» وضمن هذه الثنائيَّة، على الإنسان أن يشعر بالقلق تجاه مصيره، لأنَّ نهايته الحتمية هي الموت. وهذا يعني أن القلق الوجودي المسيطر على الإنسان هو الذي كشف معنى العدم «الموت».
وهذا قد ينطبق على مصطلح «رُهاب المسرح» الذي يطلق على الأشخاص الذين يتوترون عندما يلقون حوارً أمام جمهور حاشد، وهذا الرُّهاب هو رهبة الأداء والتوتر أو فوبيا مستمرة تبدأ عند الشخص الحالم والذي يطلب منه الأداء أمام الجمهور، ويمكن أن يؤدي أمام جمهور غير معروف أقصد من بيئة مختلفة إلى التوتر بشكل أكبر من الأداء أمام جمهور مألوف. وفي بعض الحالات، قد لا يعاني الشخص أي خوفٍ من هذا، ولكن قد يعاني عند عدم معرفة من الذي سوف يتحدثون أمامه. 
قد يسبق التحدث أمام الجمهور المشاركة في أي نشاط يتضمن الانفعال الذاتي، وفي بعض الحالات قد تكون هذه الرهبة جزءاً من نمط أوسع يلامس الحدث الاجتماعي، وهذا قد يحدث اضطرابا في هذا الجانب، والعديد من الناس يتعرّضون لقلق المسرح من غير أيّ مشكلات. فـ «غالبا» ما تنشأ رهبة المسرح بمجرد التوقع بشكل وطبيعة الأداء، ومستوى تقبّل الفكرة والحادثة والأفعال، ولو قبل وقت من العرض، بوساطة مظاهر متعدّدة، منها: التمتمة وعدم انتظام دقّات القلب ورعشة في اليدين والقدمين والتعرّق وأحياناً الشعور بالدوار ويباس الفم.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدأ الإنسانُ بشكل عام، والمؤدي على خشبة المسرح بنحو خاص، رحلة البحث عن وجوده وجدوى استمراره في الحياة وجوانب اشتغالاته، على الرغم من وجود القلق الذي هو ليس شعوراً، وإِنّما قيمة فلسفيّة، إذ إِنّ سبب القلق هو الخوف على الوجود من العدم، وهكذا يتكرّس القلقُ الوجودي كجرس إنذار، وأداة كاشفة لماهيَّة العدم والفناء، ومبدأ لإزالة القناع عن وجه الإنسان، وتعريته، وتأكيد ذاته.
قد تحدث رهبة المسرح «القلق» عند أشخاص من جميع الخبرات والخلفيَّات، من هؤلاء الذين يقفون للمرّة الأولى أمام الجمهور، أو حتى أولئك الذين اعتادوا أن يفعلوا هذا لسنوات، ويتأثروا بالقلق العالي ومن ثمّ بثقة النفس، والعديد من المؤدين المعروفين قد عانوا من هذه الرهبة، وكانوا قادرين على التغلب عليها وعلى إشكالياتها، مثل: «آل جولسون» مغني وممثل كوميدي أميركي من أصل ليتواني، أطلق عليه لقب «ملك فناني الأداء» كما أطلق عليه لقب «أعظم ترفيه في العالم» في ذروة حياته المهنيّة، كان أسلوبه في الأداء صاخباً ومنفتحاً، وعلى الرغم من ذلك كان من أكثر الفنانين قلقاً. أيضا «مايكل جامبون» ممثل إيرلندي - إنجليزي، بدأ حياته المهنيّة على خشبة المسرح في المسرح الملكي الوطني، واستمرَّ في الحصول على ترشيح لجائزة توني لأفضل ممثل في مسرحيّة «سيدي المحترم»، عانى من القلق الذي كان يسبب له ارتفاع درجة الحرارة، والحاجة الى زيادة التنفس حتى يتمكن من الحصول على الكمية المطلوبة من الأكسجين. وهناك أسماء عديدة من الممثلين الذين كانوا يعانون القلق، منهم: جيسون اليكساندر، مايا انجيلو، ريتشارد لويس، ليدي غاغا، وآخرون.
ومن ثمّ تنزاح هذه المفاهيم الى رؤيا «هايدغر» على أنَّ القلق الوجودي، مؤشر واضح على أن الحياة لا معنى لها، ولكن الإنسان صاحب الحضور المركزي في هذا العالم، هو الذي يُعطي الحياة معناها، ويمنح الشرعيّة والمعقوليّة للوجود، فضلاً عن أنَّ فالإنسان يصنع نفسه بنفسه ويصنع عالمه المحيط به، ولا يمكن للإنسان أن يجد نفسه إلّا إذا كان حرّاً.