العقل المتعصّب وفرضية التغيير

آراء 2022/06/22
...

 علي لفتة سعيد
 
كيف يمكن  مواجهة التعصّب أو تفكيكه وجعل الآراء التي تطرح قابلة للقبول أو الرفض بوصفها فكرةً لم تنزل من سماء وإن اعتمدت على أصولٍ سماويةٍ بالنسبة للأفكار الدينية،؟ كيف يمكن عد الأفكار على انها موضوعة أو جاءت من خلال تفسير أو تحليل؟ ولماذا التعصب أصلا في الآراء؟.
إن التعصّب منذ بدء الخليقة هو جزء من كينونة المدافع عن الفكرة التي تحوّلت بمرور الزمن الى واجبٍ وشهادة، وتلكم مسألة مهمة حاول الكثير من الفلاسفة والباحثين والمفكّرين مناقشتها في أزمانٍ سابقة أكثر حرية وانفتاحا قبل أن يتحول الأمر الى خاصية وجودية على اعتبارها مرتبطة بالإيمان..  ولهذا ارتبط التعصب بالتطرف والذي يعني امتلاك الحقيقة التي توجب إزالة الآخر  المنافس حتى تبقى الفكرة قائمة. وهذه الفكرة تنمو وتتناسل داخل العقول الخاملة  التي تستقبل ما هو عاطفي أكثر منه عقلانيًا، وكما قال أرسطو (العقل الضيق يقود دائماً إلى التعصّب).. وأيضاً إذا ما عرفنا أن التعصب والخوف توأما الجهل والتقليد، كما يقول أمين الريحاني.
ولهذا لا يمكن نقد الأمر بشكل مباشر وعدّه مثلبة أو خارجة عن قانون الطبيعية أو حتى نقدها على أساس إنها خارجة عما هو قار.. فالكثير من الشعوب لديها طقوس تمارسها ولكنها في حدود الممارسة والفعاليات التي قد تتحول الى جماهيرية مرّة والى عقائد مختلفة مرّة أخرى، وهو أمر يثيره ويثوّره الكثير من الباثّين لهذه الأفكار المتعصّبة والتي تعتمد على تعصّب العقل لا عقلنته.
والسؤال: هل نحن بحاجة الى عقلنة التعصّب باعتبار أن الفعالية أو الطقوس التي تمارس ما هي إلا وسائل خاصة ليس بالضرورة أن تكون ملبيّة لطموحات الجميع في هذه الفئة أو تلك؟ إننا إزار أن تقوم العقلنة على احترام الآخر الذي يتم إيصال مفهوم أو رأي إن ما عنده هو الصحيح لأن (الحياة بلا دين حياة بلا مبدأ ، وحياة بلا مبدأ كمركب بلا دفة) كما قال المهاتما غاندي، ولهذا يبدأ الإفهام إن الراي حتى لو كان دينيًا هو البياض، وأن التطرّف هو السواد الذي يلف العقول. أو أن التعصّب الذي يخرج عن حدّ الأخلاق غير مهذّب بأبسط تعريف.. وإلّا فإن التعصّب المحمود كما قال أمير البلغاء علي ابن أبي طالب (ع) ( إذا كان لابد من التعصّب فتعصّبوا لمكارم الأخلاق ومحامد الخصال).
إن ما نحتاجه في الزمن الراهن هو مقابلة التعصّب بالعقلنة كون العقل الفاعل لا يتناسب مع التعصّب.. وهو ما يدعو الى تفكيك العلاقات، أهمها إن الإيمان بأن عقل المتعّصب قابل للتفكيك، حتى لو كان التعصّب قد الى انهيار العقل .و الإيمان بغائية الممارسة الفكرية لهذا الرأي أو ذاك مع العمل على إيجاد فعالية أخرى غير المقابلة بالمثل والمعاكسة للاتجاه. إضافة الى الإيمان أن الفعل الثقافي هو قبول كلّ الآخر بما فيه من سلبيات شريطة أن لا يكون متطرفًا ويستخدم أعمال القتل..و الإيمان أن هناك قوة فكرية سيطرت على أفكاره وجعلته ينطق نيابة عنها، وإنه مسلوب الإرادة ولا يمكن تغييره إذا لم يتم تغيير المنبع بطرق غير متعصّبة. وأن الإيمان بضرورة البدء بتفكيك أواصر التعصّب من خلال ممارسة المناقشة وليس الجدال حتى لو كان عقلانيًا للوصول الى هدفية الحياة. والتفكير بعدم الحاجة الى نقدٍ قاسٍ لكلا الطرفين واعتباره غير مناسب للأفكار أو ما يعتقد أنه خارج عن العقلنة الإنسانية والعقلنة الإيمانية الأوسع. والإيمان أن الآخر له مبرراته التي استخلصها من أقوال تحولت الى كتل كونركيتية عبر الزمن. اضافة الى أهمية  الإيمان بأهمية عقلنة التعصب التي تحتاج أ من طرف المنتقد أن يكون أكثر عقلانية في نقد الظاهرة غير الصحيحة لكي يتمكّن من إيصال الفكرة بطريقة هادئة لا بطريقة هجومية. وتوصيل فكرة إن الإيمان بالحاضر ليس وليد المرحلة السياسية أو الدينية أو تغيّر الواقع البيئي والاجتماعي والاقتصادي الراهن، بل هي وليدة صراعات متجذّرة لم تبدأ مع الصراعات الكهنوتية كما يشاع، بل هي وليدة استغلال العقل لالعاطفة الروحية من أجل تحقيق غايات سلطوية. وأهمية المناقشة والحوار والهدوء بهدف إيصال وعي أن أية إشاعة فكرة التطرّف هي إساءة للفكرة العليا التي انبثقت منها الأفكار.. وكذلك الإيمان أن الفكرة هي من أجل بناء الإنسان لا قتله وربما ايضا أن الإيمان بأهمية الاخلاق على أساس تطبيق الأفكار وما عداها فهي خراب المجتمعات ونكران التاريخ لها.