وليس الاكتفاء بـ(انجاز) تغيير اسماء المنشآت الموجودة اصلا، او محاولة الارتكاز على الموجود من هذه المنشآت للبدء بمشروع جديد، وبالتالي تخريب الموجود وربما لا يكتمل المشروع.. مثل تصريح الذي نقلته وكالة الانباء العراقية (واع) عن وزير النقل قوله ان القطار المعلق سيبدأ من المحطة العالمية! لا اريد ان اخرج عن الحديث عن مجلس الاعمار، لكنني أتساءل لماذا المحطة العالمية؟ هذا المعلم العراقي الجميل الذي قطعا سيتم تشويهه، لان القطار المعلق من المفترض كهربائي وسيحتاج الى محطة خاصة به.. ثم هل ستتوقف هذه المحطة عن تسيير القطارات الى المحافظات ودول الجوار كما كانت؟ وللعلم فان حجر الاساس لهذه المحطة وضع في 1948 وانتهى العمل به في 1952 وهي واحدة من ثلاث محطات تتشابه بكل التفاصيل والاخيرتين في الهند 

وبريطانيا. 

وعودة الى (مجلس الاعمار) الذي كان سبب تشكيله لا يختلف كثيرا عن الوضع الحالي، فقد كان غالبية الوزراء من غير ذوي الاختصاص ولتعثر انحاز المشاريع  منذ تأسيس الدولة العراقية في 1932. تأسس مجلس الاعمار بموجب  قرار رقم 7 لسنة 1950 وتعديلاته في السنوات اللاحقة ،على ان بترأسه رئيس الوزراء ،وبعضوية وزيري الإعمار والمالية وستة أعضاء آخرين ،يشكلون سكرتارية المجلس ،إضافة الى اللجان المختصة والتي ترتبط بوزير الاعمار.. نفذ هذا المجلس برغم عمره القصير الكثير من المشاريع الاستراتيجية والمهمة والتي ما تزال شاخصة حتى اليوم ومن بينها جسور في بغداد والموصل والناصرية والسماوة  وغيرها، واشارة لابد منها، ان مشاريع المجلس كانت موزعة في كل انحاء العراق، وسدي دوكان  ودربندخان ومعامل الغزل الصوفية والغزل والنسيج القطنية والسكر ومحطات الكهرباء واحياء سكنية  للارامل والمطلقات اللواتي يعلن اسرهن وللذين يقبعون عند خط الفقر او تحته وتم وضع حجر اساس المفاعل النووي لاغراض سلمية  والمستشفيات والمصافي والصناعات النفطية وغيرها العشرات من المشاريع. وكانت الدولة بالتوازي مع هذه المشاريع ترسل الطلبة في بعثات دراسية الى الخارج، لخلق كوادر عراقية متمكنة علميا وفنيا واداريا. وهناك العديد من مشاريع هذا المجلس تم تنفيذه بعد 1958 مثل مدينة الطب ووزارة التخطيط في الستينات وجامعة بغداد في نهاية السبعينات، بل ان غالبية المشاريع المنفذة بعد هذه السنة كانت من خطط مجلس الاعمار.. خلال سنوات معدودة انجز مجلس الاعمار، مالم تتمكن اية حكومة من انجازها في المدة نفسها.. ولان الحكومات  بعد 1958 جاءت بثورات او انقلابات لاسباب طبقية  او حزبية او طائفية، فقد كان استمرارها من اولياتها، فضلا ان حكومة تموز 1958 سنت سنة سيئة بالغاء مجلس الاعمار، اذ قامت بعدها كل حكومة بالغاء مؤسسات التي سبقتها وكأنها كانت ملكا للحكومات وليست 

للدولة. 

هناك مشروع قانون (مجلس الاعمار والاستثمار) الذي لم ينظر به مجلس النواب في دورته السابقة لوصوله اليه في وقت متأخر، ومن خلال الذي قرأنا عنه، فأنه يشبه مجلس الاعمار (الملكي) بمهامه وصلاحياته. نأمل ان يقوم مجلس النواب بدورته الجديدة بقراءته والتصويت عليه، للبدء باعمار حقيقي ما نزال  ننتظره من 19 سنة، خاصة وان البنى التحتية والخدمات في حالة يرثى لها، عدا الحاجة الى مشاريع بيئية تواجه التغيير المناخي وسدود لمواجهة نقص المياه ومشاريع صناعية توفر فرص عمل للعاطلين والخريجين بدلا عن المطالبة بالتعيين ومشاريع اسكان لحل مشكلة السكن الحقيقية مما تمكن ذوي الدخل المحدود من شراء وحدات سكنية بأثمان يقدرون عليها..