حروب القرون الوسطى وهدنة السماء

آراء 2022/06/24
...

 وليد خالد الزيدي 
 
أمر طبيعي أن تختلف حروب العصور الوسطى عن الحروب الحديثة في الكثير من المعطيات, لكنها تتشابه احيانا في أسبابها ونتائجها, بل حتى في طرق تفكير قادتها, وعوامل إشعالها ومبررات إنهائها. 
وتزامنت حروب العصور الوسطى بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين, بنشوء الإقطاع وقوته، ليكون نظاماً عسكرياً لمجتمع زراعي غير مطمئن على نفسه, وكانت فضائله حربية أكثر منها اقتصادية, حيث ينتظر من سادة الإقطاع وأتباعهم تدريب أنفسهم على الحرب وستعدادهم في كل لحظة مستعدين لترك المحراث وجرد السيوف, وكان الفلاحون أكثر من قاسى أشد البلاء في حروب الإقطاع, وغالبا ما تغير جيوش فرنسا, ألمانيا، وإيطاليا، ودول اخرى على تخوم الخصوم واغتصاب أراضيهم ونهب بيوتهم, وأخذ فلاحون كثر بعد الحروب يجرون محاريثهم، وهلك الكثيرون منهم حوعاً لقلة ما تنتجه الأرض من 
الحبوب.
ولكن بعد ذلك حاول الملوك والأمراء أن يحتفظوا بالسلم في فترات بين الحروب, ونجح في هذه المحاولات الأدواق النورمانديون وإنجلترا وصقلية وكونت برشلونة في قطلونية، ونجح ملك انكلترا هنري الثالث مدى جيل من الزمان في أراضي مملكته بألمانيا, وعدا هؤلاء كانت الكنيسة صاحبة الفضل في تقييد الحروب, فقد أصدرت مجالس كنسية في فرنسا بين عامي 989 و1050 قراراً بتحديد فترة “سلم إلهية” وأنذرت كلاًّ من يستخدم العنف في الحرب مع المقاتلين بالحرمان من حضيرة الدين, ونظمت حركة تدعو إلى السلام في عدة مراكز مختلفة، وأقنعت كثيرمن الأشراف بأن يمتنعوا عن الحروب بينهم، ثم لم تكتف بهذا، بل أقنعتهم فوق ذلك أن يشتركوا معها في تحريمها، وقام فلبرت أسقف كاتدرائية تشارتر في فرنسا( 960 - 1028) يحمد الله في ترنيمة ذائعة الصيت لوجود فترة سلام غير عادية, ورحبت الجماهير بحماس بهذه الحركة، وأخذ الصالحون ينبئون بأنه لن تمضي خمس سنوات، حتى يكون جميع سكان العالم المسيحي، قد وافقوا على برنامج السلام وأعلنت مجالس الكنيسة الفرنسية عام 1207 وما بعده”هدنة الله”، ولعلها في هذا كانت تذكر تحريم المسلمين للحرب في الأشهر الحرم، فقالت على الناس جميعاً أن يمتنعوا عن أعمال العنف طوال أيام الصوم الكبير، وفي موسم حصاد الحبوب وقطاف الكروم, وفي أعياد محددة, حتى أضحت هدنة الله في 
فهل تعكس تلك الأزمة وتقلباتها توجس الفاعلين الاقتصاديين, لا سيما أن عقوبات الغرب ضد الاقتصاد الروسي، فاقمت تداعيات الحرب القرن الثاني عشر جزءاً من القانون المدني وقانون كنيسة أوروبا الغربية. الأوربيون اليوم أكثر من يقرؤون تاريخهم, ويدركون آثار الحرب في اوكرانيا على الاقتصاد العالمي، والتوجس من آثارها على المستوى الدولي وتأثيراتها السلبية، التي تثقل كاهل الدول، لكونها لا تزال تكابد للخروج بأقل الأضرار من تبعات أزمة كورونا, وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكلٍ حاد بحكم الدور المحوري، الذي تلعبه روسيا وأوكرانيا في تزويد الاقتصاد العالمي بتلك المواد.