زهير الجبوري

ثقافة 2022/06/24
...

ولدت بالقرب من شاطئ الحلة منتصف العقد السبعيني من القرن الماضي، كانت بصيرتي الأولى منذ إدراكي للحياة، هطول المطر، نشأت في بيئة شعبيّة فيها العديد من الأعراف والتقاليد، غير أنّني عشقت الفن منذ طفولتي، حيث كنت أحظر نشاطات نقابة الفنانين في مدينتي الحلة لأنّها كانت بالقرب من دارنا، وحصل عكس ما كنت أتمناه في انتمائي الثقافي في مرحلة صباي، إذ كانت تأثيرات أخوتي الذين يكبرونني واضحة وهم من الوسط الرياضي الحلي، إذ مارست العديد من الألعاب، بخاصة ـ كرة السلة ـ إلاّ أنّني تركتها مطلع شبابي لتعرضي لإصابة بالغة جداً، كنت أقرأ الكتب الثقافية والأدبية مبكّراً لأنّ أخي الكبير (رحمه الله) كانت عنده مكتبة تتضمن هذه الكتب، فتعرّفت على بعض الأسماء الأدبية والفنية من خلال متابعتي للكتب والمجلات، وقد أصبح بعض  أصحاب هذه الكتب أصدقاء وزملاء لي بعد دخولي الوسط الثقافي.
اكتشف موهبتي في مرحلة الابتدائية معلّم اللغة العربية بعد أن قرأ لي مادة (الإنشاء)، قال لي بالحرف الواحد (لو اقتنعت أنت من كتب هذه الكتابة فأنت ستصبح أديباً)، الأمر الذي جعلني أتابع وأشتري بشكل دوري مجلّتي (مجلتي والمزمار)، مع ممارستي للرسم، ففي مرحلة المتوسطة كان لمدرس التربية الفنية الفنان القدير مظفر هاشم الدور الكبير في إصراري على ممارسة فن الرسم، وبالفعل شاركت في المعارض السنويّة لمدارس المحافظة وحصلت على الجوائز..
إلاّ أنه وفي مرحلة الشباب وفي سنّ مبكر مارست الكتابة، وكان ذلك بتشجيع من جارنا الأديب الكبير (حامد الهيتي) رحمه الله، إذ أسهم في أخذ ما أكتب إلى الصحف ونشره، قبل ذلك كانت مكتبة المدرسة التي يشرف عليها الأديب الراحل الأستاذ عدنان سماكة غنيّة بالكتب، وكنا في مرحلة الثانوية نستعير الكتب للقراءة تحت إشراف هذا المدرس، قرأت أول كتاب (العبرات) للمنفلوطي، ثمّ (دع القلق وابدأ الحياة) لديل كارنيجي وغيرها من الكتب الأخرى.
مارست العمل الصحفي في أول صحيفة في بابل، ثمّ في بعض الصحف البغداديّة، كانت متعة الكتابة في هذا المجال فتحت ذهنيتي على الكثير من تفاصيل الحياة بجوانبها الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة كافة، لكنّ مجال الأدب كان هو شغلي الشاغل، فالأدب مجال لا يدخله إلّا من له موهبة خاصة في فروعه  كافة، وقد رسّخت تلك الموهبة في إكمال دراستي الجامعيّة في هذا المجال في (قسم اللغة العربيّة)، ثمّ العمل في السلك التربوي (مدرسا لهذه المادة) فضلا عن إصداري بعض الكتب كان أول كتاب أصدرته (أيقونات مفتوحة) في العام 2006 ثمّ مئذنة الشعر عن تجربة الشاعر المغترب باسم فرات في العام 2007، والآخر مع الناقد الكبير ياسين النصير (المكانية في الفلسفة والفكر والنقد) تلاه (مرايا السرد) في العام 2013، ثمّ الأخير (جدل الكتابة والمغامرة) في العام 2021، وهناك إصدار جديد تحت الطبع، وربما هذا العشق تكرّس أيضا بعد فوزي في بعض الجوائز الأدبية في الساحة العراقية، غير أني أشاطر ذلك في كتابتي في مجالات أخرى في الفن التشكيلي والفن المسرحي، والطريف في الأمر أن الفنان الكبير ثائر هادي جبارة شاركني في عمل مسرحي نهاية العام المنصرم في مشروع تأسيسي يجمع بين المسرح والأدب، وجدت نفسي أقف أمام الجمهور ممثلاً، كانت التقاطة حساسة منه، إذ استعاد البذرة الأولى التي كانت في نفسي بأن أصبح ممثلا مسرحياً.