د. أثير ناظم الجاسور
منذ اليوم الأول من انطلاق التنافس الانتخابي بين الأحزاب والكتل، الساعين لملء حيز من فراغ السلطة والمؤشرات تعطي نتائج ما نعيشه اليوم من انسداد كما يسمونه أو عدم اتفاق كما نراه نحن، فمخرجات المتنافسين اليوم هي ذاتها مخرجات الأمس، التي جعلتنا نعيش مع منظومة غير قادرة على احتساب نسب الإيجاب من السلب، ما جعلت من عملية تداول السلطة واحد من الهموم الشعبية، لأن هذا المفهوم (التداول السلمي للسلطة) خارج نطاق أجنداتهم وبرامجهم وأفكارهم لأنهم لا يزالون يعيشون بذات عقلية المعارض التابع وليس الحر، مجموعة الأحزاب التي حكمت عراق ما بعد 2003 والتي كانت تعاني من ظلم وبطش النظام السابق، لم تتعلم من أن الضغط المتواصل يولد الانفجار، ولم تتعلم من أن المجتمعات تختلف في ردود أفعالها، في ما اذا نفد صبرها، وأرادت أن تتحرك لتغير واقعها، فلا العدالة ولا الأخلاق هنا تعد تحكم وجهات النظر، خصوصاً اذا كانت هذه المجتمعات مهددة بفقدان لقمة عيشها، فضلاً عن شعورها بأن نظامها السياسي أيضا لا يتعامل معها من منطلق العدالة والأخلاق، بعيداً عن قياسات السياسة ومخرجاتها.
منذ سنوات والحديث يدور حول منظومات أثرت في شكل ومضمون النظام السياسي، وحتى على عملية الإدارة والتخطيط بعد أن هيمنت على هذه المنظومات منظومة رئيسية هي منظومة الفساد، التي غذتها الأحزاب والشخصيات، التي تعد نفسها شخصيات سياسية، هذه المنظومة عملت على تفكيك الدولة من الداخل بمعية الأطراف الخارجية، التي راحت تسهم في تعزيز نفوذها في الداخل، بعد أن امتلكت القرار السياسي والديني والعسكري من خلال حمل السلاح، إلى جانب هذه المنظومة هناك منظومة العمل الخارجي أو مجموعة الأجندات الخارجية، التي تعمل على تنفيذ كل التوجهات والسياسات الخارجية، التي تحاول من خلالها أن تحقق مصالح دول على حساب المصلحة الوطنية العراقية، أيضا هناك منظومة أخرى هي اكثر فتكاً منظومة ماسكي السلطة الطبقة المشرفة على تحركات المنظومتين السابقتين والمحرك الرئيسي للمنظومات الثانوية المؤثرة في تفكير وسير الشارع أو كما نسميهم الخط الثاني، هذه المنظومات تعمل مترابطة على أن تكون لها القدرة على أن تمسك بمجريات الحدث الداخلي، وتحوله إلى أزمة تساعد على إشغال المجتمع ومحركاته بعد أن يتم توجيه نظرهم إلى قوتهم والخطر المحدق بهم خلف الجدران.
مشكلة هذه المنظومات أو من يحركونها لا يتمتعون بذهنية السياسي البارع ولا القارئ الجيد على أقل تقدير، لأنهم أما لا يفقهون ما حدث وما يحدث أو انهم يتناسون أن المجتمع العراقي، وبالرغم من الاختلاف الحاصل في تلوينه وفسيفسائه، إلا أنه يتوحد عند الخطر، أو قد يروا أن المجتمع العراقي غير قادر على فعل اكثر مما فعل قبل سنوات، بالتالي فإن مخرجات قراراتهم ومتنافسهم ونزاعهم، حتى وإن كان ذا أثر سلبي في المجتمع، فالمشكلة أنهم لا يفقهون، لكن الحقيقة تقول إن ثورة الشعوب تبدأ كما يبدأ علاج جسم الإنسان بالمضادات الحيوية مرحلة تتبعها مرحلة حسب العلاجات والعقاقير، التي يتناولها إلى أن يستقر على برنامج علاجي يهزم فيه الفايروسات والبكتيريا، فالمجتمع العراقي حتى وإن اختلف في تأويله للقرار ولمفهوم التعايش في لحظة من لحظات هذا التاريخ، إلا أنه لا يمكن أن يسمح لهذا الاختلاف أن ينهي
حياته.