المنتجع السياحي سون مارك «المرج الذهبي»

ثقافة 2022/06/27
...

 سعيد الروضان
أرتديت قميصاً أبيض مقلماً بخطوط زرق، بنطلون أزرق مع سترة سمائية، وحذاء أسود من الجلد الممتاز اشتريته من إسطنبول بعلامة المارسيدس!، نزلت درجات السلالم المكونة من ثلاثة طوابق، لعدم وجود المصعد الكهربائي، توجهت إلى صالة مطعم الفندق كالعادة،  بعض السيّاح الهنود الذين قدموا ليلا يحتلون الكراسي والمناضد، بدت أواني الطعام فارغة على غير عادتها، فقد أجهز عليها الضيوف من مختلف الأعمار.
 
وجدت زبدة ومربى وعصيدة النشأ وكوبا من الشاي بالحليب (لا يشرب أبناء الشعب الهندي الشاي على الطريقة العراقية بل يضيفون الحليب إليه). جلست إلى المائدة، لمحني النادل جاء إلي وهو يحمل الخبز «الجبادي» وهو خبز معرّق بالبخار، بدأت بتناول الفطور، وجاء نادل آخر يحمل صحنا عليه رقائق البيض المقلي بالدهن، شكرته بابتسامة محببة. أنهيت الفطور، ماتزال أمامي نصف ساعة على وصول المرشد السياحي «مبشر»، صعدت إلى غرفتي، شغلت نفسي بترجمة بروشور «وريقة» قدمها لي موظف في مزار حضرة بول لمناقشتها مع
«مبشر». خرق صوت جرس الهاتف الأرضي فضاء غرفتي، لم أرفع السماعة بل توجهت نازلا إلى صالة الفندق. قدم المرشد السياحي «مبشر قيوم» في تمام الساعة التاسعة صباحا، وفي موعده المحدّد، وهو يصف نفسه بمفردة إنكليزية واحدة «Punctual” أي دقيق الحضور في المواعيد ويدل ذلك على احترام  الزمن، وكنت قد التقطت هذه المفردة من البروفسور الراحل محمد باقر عبد علي تويج رحمه الله في مرحلة دراسة الماجستير، وكلاهما: المرشد السياحي “مبشر” والبروفسور “ تويج” على صواب، إنّهما قول وفعل.
كان “مبشر” شاباً في بداية الثلاثينات من عمره وهو متزوج حديثاً وينتظر على أحرّ من الجمر طفله الأول الذي سيأتي بعد ثلاثة شهور، وقد ذُهلت حين أجابني عند سؤالي عن جنس المولود: بأن معرفة جنس الجنين قبل قدومه إلى الدنيا محظور قانونياً في الهند، ولما سألته عن السبب أجاب بهدوء: تمارس في بعض الولايات العادة الجاهلية البائدة في وأد الفتيات. وقد شرع هذا القانون لأن معرفة جنس الجنين يساعد على إشاعة وأد الفتيات. 
ارتدى مبشر الزي الكشميري قميصاً أحمر لامعا ينسدل على سروال أبيض ناصع، ويرتدي فوق القميص قطعة ملابس “يلك” سوداء من الصوف الرقيق إشارة منه إلى احتمال مواجهة درجات منخفضة من الحرارة. وقد منحته هذه الملابس التقليدية صفة الوقار والصدق والحزم في تنفيذ الواجب السياحي.
كانت سيارة “مبشر” من طراز سوسوكي بيضاء ومن موديل 2019 وهي امتياز هندي لصناعة هذه السيارة. ركبت السيارة، وجلس “مبشر” خلف المقود، كان يميل إلى الحذر الشديد ولا يجنح إلى السرعة، قال إن المسافة إلى منتجع “سون مارك” 120 كم، وحزرت استناداً إلى تجربتي في ولاية “كيرلا”، إنها تستغرق ثلاث ساعات بسبب الزحام على الطرق الخارجية التي تكون غالبا One Side واذا شاء الغمام أن يهطل الغيث وهو كذلك، فالتأخير مؤكد.
 قلنا إن “مبشر” دليل سياحي وسائق سيارة في الوقت ذاته، وقد اتفقت مع شركة السياحة الهندية ومديرها السيد “اشتوش” على أن يوفر لي تذاكر الطائرات، التي يجيد إصدارها بربع ساعة، وفندق ثلاث نجوم، وقد خرق هذا الشرط عندما حجز فندقا اسمه Sealore في مدينة كوجن / ولاية كيرلا، وعندما وصلنا الفندق، كان بواجهة كابية لا يطل منها مصباح واحد، في الصالة كانت الرائحة عطنة، طلبوا مني وثيقة جواز السفر، قلت لهم: أريد رؤية الغرفة أولا صعدنا إلى الطابق الثالث، كانت الغرفة كئيبة وبنور كامد ورائحة مقرفة، نزلت الى الصالة وأخبرتهم بعدم موافقتي على الفندق، قال السائق إن الثمن مدفوع سلفا، وفي الشارع اتصل بي السيد “اشتوش” فقلت له بالحرف الواحد، إن هذا ليس فندقا بل مركز توقيف، وأنا سأبيت هذه الليلة في الشارع وأوصل الخبر إلى  جميع وسائل الإعلام العراقية والعالمية المرئية والمسموعة. غَيّر السيد “اشتوش” الفندق إلى آخر أفضل منه لوجود نعمة النور لإنجاز الكتابة، والتبريد الذي يضفي على الفندق سمة الرفاهية المدفوعة الثمن. ويوفر لي سيارة يابانية لا تعطل وسائقا متمرسا يجلس خلف عجلة القيادة، وها هو يدمج السائق والدليل السياحي في شخص “مبشر” ولا يعد هذا خرقا خطيراً في الاتفاق، كل هذا لقاء مبلغ بالعملة الأميركية جاهدت أن أجمعه لسنوات من مرتبي التقاعدي المتواضع.انطلق “مبشر” بسيارته الصغيرة متأنيا، حذرا، لكن بإصرار مهني، نحو المنتجع الذي يحمل اسما كشميريا “سون مارك” وتعني باللغة العربية “المرج الذهبي”.
 
عن السيارات وما إليها
سارت السيارة بحذر على الطريق المكتظة بالمركبات من كل شكل ونوع، وكانت السيارات اليابانية نادرة، فالصناعة الهنديّة تغطي حاجة السوق المحلية من جميع الأنواع، وتبدو للمدقق بالأمور التي تخص النقل أن هناك تخطيطا علميا دقيقا يسلكه القائمون على قطاع النقل العام والخاص، ندوّن أبرز الملاحظات:
عند ملء السيارة بالوقود يتسلم السائق بطاقة «وصل» مدوّن عليه عدد اللترات والسعر بالروبيّة الذي يتوجّب على السائق دفعه.
إذا شعر السائق بأن لديه إطارا  “نازل” الهواء، يوجد في كل محطة جهاز لتزويد الإطارات بالهواء وقياس حجم الهواء في كل إطار، وهذا يُقدم مجانا ومن دون دفع أية نقود.
جميع الدراجات النارية مثبت عليها رقم رسمي ومسجلة بدائرة المرور، ويستعمل الشبان هذه الدراجات النارية، فضلا عن الشابات الجميلات اللواتي يقدن دراجتهن النارية على الطريق بكل ثقة، وقد شاهدت حالة تحرش واحدة قام بها شاب بإطلاق صوت المنبه عدة مرات، لكن الشابة لم تأبه للأمر، وانتهى ذلك من دون حادث يذكر، ومرة شاهد “مبشر” سائق دراجة لا يضع الخوذة الواقية فانتقده أمامي بأسلوب مهذب.
جميع العجلات ذات الثلاثة إطارات التي نطلق عليها اسم “تكتك” مثبت عليها أرقام رسمية، وهذا يدل على وجود إجازات قانونية لقيادة هذه المركبات، ولم أشاهد فتاة واحدة تقود هذا النوع من المركبات. السيارات التي تحمل لوحات أرقام بلون أخضر، يعني أنّها تعمل بالطاقة الكهربائية، والسيارات بلوحات أرقام بيض يعني أنّها سيارات خاصة، والسيارات بلوحات أصفر يعني أنّها سيارات عمومي “تكسي”.
يتنقل المواطنون الهنود بسيارات “تاتا” وهي  باصات طويلة استوردها العراق أبان مرحلة الثمانينات. تكتظ “التاتا” بالركاب وهم يدفعون خمس روبيات عن كل راكب وهي تعادل أقل من 500 دينار عراقي بقليل.
انتقلت بالتكسي مرتين، الأولى من الفندق إلى المطار عند سفري إلى كلكتا، طلب السائق مني مبلغا متواضعا 200 روبية، وكانت المسافة قريبة لا تتجاوز الربع ساعة، والثانية عند قدومي من كلكتا إلى دلهي لذات المسافة، طلب مني شخص يقول إنه متعهد للنقل مبلغ 1000 روبية وهو رقم كبير، تركته وبحثت عن شخص آخر طلب مني مبلغ 400 روبية وهو رقم معقول، بعد دفعه إيصالا بمبلغ ما، وهنا سألني السائق عن أجور المبيت لليلة واحدة!! فقلت له لا أعرف وقد كنت صادقا. أما أسعار تذاكر الطائرات فلم أعرف عنها شيئا، غير أنني سألت المهندس المدني الذي جلس إلى جانبي على متن طائرة تحمل اسم الشركة  الهندية IndiGo، في رحلتي من دلهي إلى كلكتا، فأجاب 8400 ثمانية آلاف وأربعمئة روبية على أساس 7500 روبية لكل مئة دولار. أي نحو 110 دولارات وهو رقم لابأس به بالنسبة لنا ومرتفع بالنسبة للشعب الهندي.
أما حقائب السفر فلها حجم كبير من معاناة المسافرين، ويدخل في ذلك إجراءات التفتيش، نزع السترة، الحزام، الحذاء، إخراج اللابتوب، الموبايل، الساعة، القلم، العملة المعدنية، بل وحتى محفظة النقود التي تسببت لي في مشكلة كبيرة، أما أهم المشكلات التي واجهتني فهي وضعي للحاسبة في حقيبة الشحن داخل الطائرة، أخبروني هاتفيا بان أنتظر الرحلة الثانية، أو أن الحقيبة سوف تتأخر إلى الرحلة الثانية، وفي دلهي وقعت محضرا بأنني وضعت أشياء ممنوعة في حقيبة الشحن، وطلبوا رقم هاتفي، سجلت هاتف وكيل الشركة السيد “اشتوش”، تركت الحقيبة وسافرت إلى كشمير، وعند عودتي ذهبت الى شركة انديغو، بحثت الموظفة ولم تجد حقيبتي، وقالت لي أن أراجع الموقع رقم 1 مع رقم هاتف للموظف المعني. التقيت السيد “اشتوش” عند البوابة رقم 2 مع موظف يعمل بصحبته، وضع حقائبي في سيارته وانطلق بها إلى الموقع 1، وصلنا ومن موظف الى موظف ولعب رقم الهاتف الذي سجلته الموظفة على بطاقة التذكرة دورا في الوصول الى المكان المعني، بعد دقائق قدمت موظفة تدفع حقيبتي، لكنها كانت “خافشة” أي أنها تعرضت للترشيق، وذلك لم يكن يهمني بقدر تعلق الأمر بوجود الحاسبة، طلبت مني الموظفة أن أفحص الحاسبة، كانت سليمة ، وقالت لي افحص الحقيبة فقلت لها تمام. شكرت السيد “اشتوش” على موقفة وكنت على يقين أنّه سوف يتقاضى أتعابه بطريقة لا أشعر بها، واكتشفت أخيرا فقدان ثلاثة علب من حلوى الكاكاو المصنوعة في الهند التي اشتريتها من متحف التوابل والبهارات في ولاية كيرلا.
 
حقل شتال الرز 
قاد الدليل السياحي “مبشر” سيارته الصغيرة بحذر على الطريق المكتظة بالمركبات، مررنا ببلدات لا أتذكر أسماءها، لكنّها مزدحمة ببسطات الفواكه والخضراوات الوفير، فالهند بلد المياه التي تسقي كل مساحتها ويفيض منها إلى الدول المجاورة، وقد لامست أقدامي موجات بحر العرب ومياه خليج البنغال ومياه نهر الكانج الذي لايستطيع المرء رؤية الضفة الأخرى للنهر. يزرع الفلاحون الرقي، البطيخ، الموز، المانغا، الجوز، اللوز، جوز الهند، بام تري، وجاك فروت الثمرة الغريبة التي يصل وزنها إلى 50 كغم وهي أكبر ثمرة في العالم وتباع بعد تقطيعها الى أقسام عديدة.
مع سير السيارة البطيء، اقتنصت عيني صورة لا يمكن أن تفوتني:
مبشر، من فضلك أبطء السير وتوقف جانبا.                                              
توقفت السيارة، ترجلنا، على مبعدة يسيرة من الشارع العام، كان الحقل المهيأ لزراعة الرز يمتد أمامنا بمساحات محددة بمروز واضحة، ما أن شاهدت زارعي شتلات الرز، حتى قفز قلبي طربا، فقد شاركت في أيام الشباب بزراعة رز العنبر برائحته الزكية في منطقة الخمس الصغير ناحية السلام، وفي منطقة الجتف والثمانية أبو غرب في ناحية الكحلاء وفي قضاء قلعة
صالح.
تسمى المنطقة التي نزورها الآن “غاندربل” تحاذي الحقول الطريق العام، والماء محكوم بسواق ذات أكتاف كونكريتية بعرض قدم واحد. يندفع الماء سريعا وصاخباً من سفوح جبال الهملايا بتأثير الجاذبية الأرضية، أشرت إلى الكايد السياحي مبشر” (طلب مني زميلي وأخي المشرف الاختصاصي المتقاعد علي حيدر يونس ، أبو حسين أن أستعمل كلمة مرشد بدلا عن كلمة “كايد” لبيت طلبه شاكرا).
نظرت إلى السواقي، كانت متينة وسليمة، خمنت إمكانية السير فوقها، بدأت أخطو فوقها باتجاه الحقل، و”مبشر” يتابع خطواتي خشية الوقوع في الجوانب المغمورة بالمياه. قررت إجراء مقابلات صحفية مع الفلاحين، فالموضوع مثير وقريب من نفوس العراقيين وخاصة سكان مناطق زراعة الرز. التقطت صورا قال عنها “مبشر” أنّها تصلح أن تكون على صفحات مجلة ناشونال جغرافيك، سرني ذلك، مزارع يمسك بحزمة شتلات الرز بلون الحشيش الأخضر، مزارع آخر ينحني بحركات متواترة وهو يشتل في الأرض الطينية المغمورة، فتيات ضاحكات يشتلن شتلات الرز بنشاط الشباب (لم يوافقن على التقاط الصور فاحترمت قرارهن).
يقول مالك قطعة الأرض الصغيرة كولا محمد 53 عاما، وهو يعتمر قبعة سوداء، الذي يقوم بزراعة الشتلات بيديه:
- نحن نزرع الرز في شهر مايو ونحصده في شهر سبتمبر، ونستعمل السماد الطبيعي، مخلفات الجاموس والبقر والغنم والماعز، فضلا عن السماد الكيمياوي، ونحن لا نزرع من أجل بيع المحصول بل من أجل اطعام الأسرة والأطفال.
- والتقينا بالمزارع دلشاد 33 عاما وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال، وقال إنّهم يقدمون من ولاية بيهار ليعملوا في حقول الرز لقاء أجور متفق عليها بموجب العقد المبرم مع مالك الأرض كولا محمد، وأنّهم يزرعون الرز الصيني ذي المواصفات الجيدة.
ودعناهم وودعونا وكان لاسم العراق ولاسم العاصمة بغداد وقع سحري ينير وجوههم بالابتسامات الطيبة، وقد حظي المقال بتعليقات جميلة نذكر ما علق به الأديب عبد الأمير المجر “لقد أثرت شجوني حقا، لقد أعدتني إلى أيام الطفولة والقرية وموسم الشتال “يا إلهي..!؟”.
-واصلنا المسير، وغالبا ما يذكرني المرشد “مبشر” بالتقاط الصور، ويجازف بالوقوف الى جانب الطريق، بدأت السماء تنزل مدرارها، لجأت إلى المظلة لتقيني من البلل. شلالات هادرة تندفع بعنفوان من الأعلى إلى الأسفل. يقول المرشد “مبشر” إنها ليست شلالات، إنها تكون نهر “سن” الذي يجري ليصل الى باكستان، ولاحظت مساحات متكلسة مكونة من الجليد والتربة حتى أصبحت صخورا كلسية لها أشكال العفاريت الخرافية. ومن حين لآخر تطل علينا أشجار الجنار العملاقة التي يصل قطر جذوعها الى 15 مترا، وقفنا قرب صخرة عملاقة بوزن عشرات الأطنان وقد شقت من أعلاها الى أسفلها وكأنها ثمرة رقي شقتها سكين حادة، لم نحصل على جواب هل جرى ذلك بفعل البرق أم بفعل السقوط منذ ملايين السنين مثلا، وذلك لا يجيب عنه سوى علماء الجيولوجيا في منطقة الهملايا! لكن أين نجدهم؟ أوصيت “مبشر” بالبحث في الجامعة ومراسلتي بشأن ما يحصل عليه من نتائج علميَّة دقيقة.
كان في منتجع سون مارك عشرات الخيول يمتطيها سيّاح من الهند، شبان، شابات، وأطفال وابتسامات الفرح لا تفارقهم، يقودها السكان المحليون الذين يتقاضون أجورا عن هذه المهنة، وكانوا يبدون في حالة الإنكسار النفسي، هل ذلك بسبب الاجهاد؟ أم قلة الأجور؟ أم أن هناك عوامل أخرى نجهلها؟ وكانت صورة الأم ورضيعها أول لقطة لامرأة هنديّة، لم تعترض على التصوير شكرتها على ذلك بايماءة
محبّبة.
 
المطعم السياحي 
عند الساعة الواحدة ظهراً، تزايدت زخات المطر وانخفضت درجات الحرارة حتى وصلت 10 درجات مئوية في شهر مايو، عندنا في العراق الحر يشوي شوي كما يقول العراقيون، تفرقت الخيول براكبيها وانزوت تنشد الدفء تحت أشجار الجنار العملاقة، قلت لمبشر لنبحث عن مطعم جيد. وجدنا واحداً، عند البوابة وقف شبان يوقدون ناراً، وقفنا نتدفأ أعجب للحالة برد صقيعي في الهند وحر جهنمي في العراق، تلك مشيئة الله. في المطعم جلسنا الى موائد نظيفة، طلبنا شايا مع خبز محشو بالدجاج، بدأت بكتابة مقالتي لأرسلها إلى أحبتي في العراق “حارة وطيبة وبلاش” كما يقول العراقيون، لكنها غالية على قلوب كل من شاهدها وعلق عليها فألف تحية لهم. جلسنا مسترخين بدفء الأجواء التي يوفرها المطعم، وبفعل الطعام الذي أشاع فينا الدفء، ويقول أهلنا في العمارة إن “الدفء دفء البطن”. 
كانت الهملايا أمامنا خلفنا وإلى جانبينا بثلوجها الحايلة التي لا تذوب شتاء ولا صيفاً، كانت الأشجار العملاقة ترقش سفوح جبال الهملايا بلون أخضر راعش، والخيول الحمراء والمرقطة تجوب الطرق النيسمية، فلا نراها سوى لطخات أبدعتها فرشاة أحبتي فناني العمارة الراحلين عبد القادر الرسام، عبد اللطيف ماضي، عبد الرحيم وأحمد البياتي، عاصم نجم، فرحان سلمان، حمادي، والأحياء يوسف الناصر، قتيبة الساعدي، صباح شغيت، عبد الرضا صالح التي تجلب السحر والفرح إلى
نفوسنا.