يعقوب يوسف جبر
لكل دولة سيادةٌ وفقا للفقرة الاولى من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، والتي جاء فيها ما يلي: تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى، وفقاً للمبادئ الآتية: تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.
اذن تعد سيادة كل دولة بمثابة حقاً دولياً لا يحق لأية دولة الاعتداء عليه، لذلك فإن الدولة ذات السيادة تحتمي بسيادتها، لكن بشرط أن تلتزم باحترام سيادة بقية الدول.ماذا عن سيادة العراق وعلاقته مع دولة تركيا؟
لنرجع إلى الوراء ففي عام 1922 في سويسرا اجتمع ممثلو دول فرنسا وايطاليا وبريطانيا من جهة، وممثل الدولة العثمانية من جهة اخرى، فأبرموا معاهدة لوزان الثانية والتي بموجبها تإسست دولة تركيا ووفقا لهذه المعاهدة، انفصل إقليم العراق عن الدولة العثمانية.
بعد ذلك جرى التوقيع على معاهدة أنقرة عام (1926)، والمعروفة أيضًا باسم معاهدة الحدود لعام 1926 (بالتركية: أنقرة أنلاشماسي)، في 5 يونيو/ جزيران 1926 في أنقرة من قبل تركيا والمملكة المتحدة والعراق. تهدف المعاهدة إلى حل ما يسمى بقضية الموصل، من خلال تحديد حدود مرضية للطرفين بين تركيا والعراق وتنظيم علاقات الجوار بينهما.
لكن هنالك بنداً تضمنته المعاهدة وهو أن من حق تركيا استخدام المجال الجوي من الحدود العراقية التركية حتى كركوك، في حال تعرضها لأية تهديدات خارجية، وبموجب هذه المعاهدة تمَّ ضم ولاية الموصل إلى
العراق.
اما بخصوص المعاهدة الاخرى المبرمة عام 1923 فسوف ينقضي نفادها بحلول عام 2023 بعد مضي مئة عام على ابرامها، وقد انتشرت شائعة مفادها بأن منظمة الامم المتحدة ستقرر مصير ولاية الموصل بعد انتهاء مدة نفاد هذه المعاهدة.
ويبدو أن الناشرين لهذا الخبر لم يطلعوا على التاريخ جيدا، فهم يجهلون بنود معاهدة أخرى، تمَّ إبرامها بين بريطانيا والعراق عام 1930 جاءت لاحقة وناسخة لبند مهم في معاهدة لوزان المبرمة عام 1923، وهو بند ولاية الموصل وعائدية هذه الولاية.
ففي عام 1930 وحتى تسبغ بريطانيا المشروعية على احتلالها للعراق أبرمت مع العراق هذه المعاهدة، فاستغل رئيس الوزراء العراق نوري سعيد هذه الفرصة، واشترط التوقيع على المعاهدة مقابل تصويت بريطانيا، أمام عصبة الامم المتحدة على ضم ولاية الموصل للعراق، فوافقت بريطانيا على هذا الشرط، وتم تسجيل ذلك التصرف وتوثيقه في سجلات عصبة المتحدة، فأصبحت هذه المعاهدة وثيقة ملزمة لتركيا والعراق، فليس من حق تركيا المطالبة بضم ولاية الموصل إلى سيادتها.
من جانب آخر فإن ميثاق الامم المتحدة في الفقرة الثانية من المادة الثالثة قد نص على مايلي: يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر. نستشف من هذه الفقرة أنه لا يحق لأية دولة عضو في الامم المتحدة أن تهدد سيادة الدول الاعضاء، لكن في حالة حدوث نزاع ما فيمكن العودة إلى المعاهدات والمواثيق الدولية لفضه.
اذن نخلص إلى القول إن سيادة كل دولة عضو محمية ولا يجوز انتهاكها، وإن ما يشاع في أوساط الرأي العام من نية تركيا، لضم ولاية الموصل إلى سيادتها، هو قولٌ عارٍ عن الصحة، فلكل دولة سيادة مشروعة هي صمام الامان الواقي لها من أية تهديدات او اية اعتداءات، وعلى فرض انتهاك هذه السيادة من قبل دولة ما، فإن ذلك ينافي ما نصّ عليه ميثاق الامم المتحدة.