أ.د. عامر حسن فياض
كيف نقترب من تفسير صحيح للعلاقات العراقية التركية؟ من حيث المبدأ تتحكم في العلاقات الدولية الثنائية والجماعية ومشتقات العلاقات الدولية (السياسات الدولية، السياسة الخارجية، الدبلوماسية، السياسات الستراتيجية والجيوسياسية)، تتحكم فيها كلها معادلة الصراع والتعاون، لنرى فيها تصادماً عسكرياً وتنافساً نوعياً وهيمنة وتبعية.. إلخ.
بعد عام (2003) خرج العراق من دائرة الطرف في التفاعلات التصارعية والتعاونية الإقليمية والدولية، ليدخل في جغرافية الصراع الإقليمي والدولي بوصفه ساحة صراع وليس طرف صراع. وهو الدولة التي تتوسط ست دول ونادراً ما تتوسط دولة ست دول.
ولما كان طرح الأسئلة أحيانا أفضل من الاكتفاء بالإجابة عنها، نتساءل كيف ينتقل العراق من دائرة اللا فاعلية (ساحة الصراع) إلى طرف فاعل في التفاعلات الإقليمية والدولية؟ وهل لدى العراق القدرة والرغبة والإرادة ليكون فاعلا ايجابيا لا فاعلا سلبيا؟ ولماذا أصبح ساحة أو جغرافية صراع إقليمي ودولي؟.
بقدر تعلق الأمر بالعلاقات العراقية التركية ما هي أوراق اللعب بحوزة العراق، وما هي أوراق اللعب بحوزة تركيا؟ ومن القادر على تحويل العراق من ساحة صراع بين المتخاصمين الإقليميين والدوليين إلى ساحة حوار بين هؤلاء المتخاصمين؟
هنا ينبغي أن تتضمن الإجابات تشخيصات وعلاجات، ففي التشخيص نرى أن السبب الأول في جعل العراق ساحة وجغرافية صراع هو سبب جواني، وليس برانيا، والملام ليس الأجنبي الإقليمي والدولي، بل الملام نحن العراق! لماذا؟.
* إنَّ الأطراف العراقية (قوى سياسية، مكونات ومؤسسات) لا تستقوي ببعضها، بل كل طرف يستقوي بخارج أو أكثر إقليمي ودولي!
* إنَّ خطابنا السياسي الخارجي، مهما حاولت وزارة الخارجية احتكار صياغته وتنفيذه كخطاب عراقي وطني موحد يصعب عليها حتى طرحه أحيانا، فما بالكم بفرضه على القوى المستقوية بالآخر الأجنبي هل تلتزم به؟.
* إنَّ الآخر الإقليمي والدولي يجيد الحركة لملء الفراغ في أي مكان يجد مصلحته أولا فيه ونحن نجيد صناعة الفراغات داخل الأنا العراقي والنحن العراقيَّة.
* نحن جعلنا من الآخر ينظر إلينا باستعلاء، لأننا أوصلناه للنظر إلينا هكذا! لأن كل طرف عراقي ينظر إلى العراق من ثقب المذهب أو القومية أو العشيرة أو المناطقية، بينما الصحيح أن ينظر كل طرف إلى مذهبه أو قوميته أو عشيرته أو مدينته من بوابة العراق الواسعة.
* لدى العراق موارد طبيعية نحسن هدرها ولا نحسن إدارتها! وقدرات بشرية نجيد التفريط بها ولا نجيد توظيفها!.
إنْ كان ما تقدم قد اظهر العلامات الفارقة في تشخيص الحال، فما العلاج الذي نستحضره في البال، في ما حصل ويحصل بين العراق وبلاد العثمنة الجديدة، التي تتكلم عن تصفير المشكلات وتعمل على تصفير الحلول؟!.
لدى تركيا ورقة لعب واحدة مع العراق وهي ورقة (المياه)، ولدى العراق أوراق لعب كثيرة (النفط، التبادل التجاري، الاستثمار والإعمار، الكرد والتركمان). بيد أن بعض هذه الأوراق تحولت إلى تهديدات، لأننا لم نحسن بعد توظيفها، بينما لدينا الإمكانية لتحويل تهديد المياه إلى فرصة لصالحنا مع أوراق اللعب الأخرى.. كيف؟.
* علينا ألا نخسر الكرد، لأننا عندما نخسرهم تربحهم تركيا وتشتغل عليهم وليس لهم.
* علينا تحويل تهديد المياه إلى فرصة بتقليل الهدر من المياه الوافدة وعمل آبار ارتوازية قرب مجرى الأنهار القادمة إلينا من تركيا وغيرها، لتغذية الأنهار وتلافي الشح التي تتحكم به تركيا من خلال السدود، لتصبح السدود التركية فرصة لصالح العراق، لأنها ستؤدي إلى تغذية أعماق الأراضي العراقية المنخفضة بالقياس إلى الأراضي التركية وجميع الأراضي المحيطة بالعراق.
* أما أوراق التبادل التجاري فإنها فرصة تربحها تركيا وإن ربحناها تخسرها تركيا، عندما نلوح لها بإمكانية إيجادنا بدائل عنها في مجال التبادل التجاري، وكذلك الحال بالنسبة لورقة الاستثمار والإعمار، حيث إن المعادلة في هذه الورقة لصالح تركيا وبالإمكان إيجاد بدائل عن تركيا في هذا المجال.
أخيرا لا بدَّ أن يتعزز موقف العراق بتقوية وتطوير قدراته العسكرية والأمنية، لكي تفكر تركيا ألف مرة قبل أن تستبيح سيادة أراضيه وأرواح مواطنيه.