دفتر مذكّرات.. أولى الحكايات

ثقافة 2022/06/28
...

 بغداد: نوارة محمد
 
دفتر المذاكرات، جملة جذّابة جداً، فيها الكثير من العذوبة الشهيّة وتجرّنا من حيث لا نشعر إلى الخواطر التي لا تُمل فهو يجسّد بكلّ صدق وخصوصية حكايات وأسرار الفتيات، ففي أوقات معينة كان هو الجزء المرتبط بفردانيّة المراهقات وعالمهن الجميل، إذ غالباً ما يختلقن الأحلام والحوادث الشخصية والتواريخ ويشتركن في صور النجوم وبعض الأغنيات والأيام التي لها معنى. 
دفتر مذكرات يبدو مثل غابة مسحورة يتحرّق الإنسان شوقاً لمعرفة خفاياها، ففيه بدأت أولى التوجهات وأولى الخطوات التي ستشكّل المواهب فيما بعد، لكن الآن في ظل حياة جديدة وعالم جديد، سحقت التكنولوجيا هذه الجزئية الجميلة، واندثرت بين الهواتف الذكية، فهل حلت منصات التواصل الاجتماعي محلّه، هذه المنصات التي صارت هي الجدار الذي تُعلق عليه الأمنيات والآراء وكثير من الحالات.. دفتر المذكرات دفتر الروح في حالاتها كلها يدور بين مجموعة من الكاتبات والشاعرات:
 
اندثار بعض العادات 
تقول الشاعرة إيمان الوائلي عن دفتر مذكراتها “أحتفظ بدفترين للذكرى حرصت أن يكونا مختلفين فالأول لذكريات الصداقة، وما زلت أحتفظ به منذ دراستي الابتدائيّة وفيه كتبت لي صديقات تلك المرحلة أولى الأمنيات، أجدني أحيانا عالقة هُناك، بين الساحات وضفائر الفتيات، عابرة إلى شوط المراهقة لتصبح كُل همومنا تدوين قصائد تلك المرحلة، وملصقات أبطال ذلك الجيل. وبين هذا وذاك رحلة دونتها أوراق دفتر المذكرات”. 
وتضيف” لكنني سرعان ما كُبرت فأدركتُ أن اختلاف اللغة كما المشاعر متباينة بين الأخريات وأجيالهن، حتى الأحلام اختلفت، لا سيّما كوني شاهدة على صراع الأجيال بحكم عملي في التدريس أجد أن الكثير من التفاصيل قد تغيرت وبعضها اندثرت بين ضجيج التكنولوجيا وصخب العولمة ومنصات التواصل الاجتماعي.
 
منصة للتدوين
الروائية اللبنانية منال الربيعي التي ارتبط عندها دفتر المذكرات بالأسرار الشخصية، تقول إنها: كما الأخريات تجده منصّة لتدوين أحداث تلك الرحلة، وقد يبدو لها الصديق الذي يستمع من دون إصدار الأحكام وإدلاء النصائح.
وتشير إلى أن دفتر المذكرات هو عند معظم الفتيات يجسد صديق تلك المرحلة، لكن الخطر يرافقه، لذا غالبا ما احتفظن به في خزانة محكمة الإغلاق خشية أن تصبح هذه الأسرار في متناول الأهل، في ذلك الوقت الذي كانت العلاقة بين الشُبان والفتيات محكومة بالعادات والتقاليد الرسميّة والحواجز الفاصلة لا سيّما في الشؤون العاطفيّة. تطبيقا لمعايير اجتماعيّة صارمة، ولهذا كان اللجوء لهذا الدفتر مثل تفريغ مكنونات القلب لصديق أمين لا يفشي سرّا.
وتتابع: أما بالنسبة لي فقد كان دفتري هادئا يرتبط بتفاصيل تلك الرحلة، وكنت شديدة الحرص على توثيق يوميّات الدراسة والعلاقة مع الأصدقاء، الخلافات وبعض الأخبار العاطفيّة البريئة مع زملاء الدراسة حينذاك. 
اليوم أحتفظ به كذكرى جميلة لشوط من عمري قطعته من دون أن أدري، حيث كانت الأحلام والأمنيات، لكننا سُرعان ما وجدنا أنفسنا مسحوقين بالتكنولوجيا الذكية التي حلّت مكان الورقة والقلم، لتصبح حالات تكتب وتمحى بكبسة زرّ، ويستعاض عن الكلمات الصادقة الجميلة ببعض الإيموجي الجاهز سلفا ولكل الناس ولجميع المناسبات، وهو ما أفقد العلاقات خصوصيتها ورونقها، وفق تعبيرها. 
 
الهجرة والحروب
وترى الكاتبة والإعلاميَّة جمانة ممتاز أن هذا الدفتر الذي شكّل ذاكرة الفتيات راح كما الأمنيات ضحية الحروب وما خلّفتهُ، اندثر بأحلامه المقهورة “كنت شديدة الحرص على تجديده كلّ سنة، مواكبة كل التغييرات التي تطرأ عليَّ، أدوّن أهم التواريخ الشخصيّة، وأحلامي اللامتناهيّة، أكتب للصديقات والأهل، لكنني وبعد الهجرة والحروب ومخلفاتها وجدتني عاجزة عن الاحتفاظ بهذا الجزء الشخصي مني، ضاع كما الآخرون الذي ذاقوا مرارة الواقع وقسوة حروبه، أخذتهم وبدا العالم أقربُ لكتلة ثلجيّة تجمعنا العوالم الافتراضيّة ويُذكرنا الفيس بوك بالمناسبات
الشخصيّة.