ثقافة الاقتناء الفني

ثقافة 2022/07/01
...

 د. أحمد جارالله ياسين 
 
أن تقتني عملاً فنياً تشكيلياً يعني أن تمتلكه امتلاكاً خاصاً بك مقابل مبلغ من المال، لا يعني أنه المقابل المادي له مهما ارتفع الثمن بقدر ما هو مقابل رمزي عن مدى القيمة الاعتبارية لما فيه من إبداع وأصالة وجدتها فيه وجذبتك إليه، فضلاً عن دوافـع أخرى تقف وراء اقتنائه، تتصل بمقاصد أخرى استثمارية أو نفسية ذوقية، غير أن الواجهة الاعتبارية السابقة تبقى في الصدارة من عملية الاقتناء لأن ما تقتنيه ليس سلعة استهلاكية مكررة، سريعة الزوال أو سلعة آلية أو ميكانيكية أو غذائية، إنه عمل فني إبداعي أنجزته أنامل فنان يحــــمل رؤيا ما، ضمَّــنَها في عمله، وعبر عنها بوسائله التشكيلية المحسوسة بصرياً.
وبحسب ما يرى المفكر الاقتصادي آلفين هارفي هانسون، فإنَّ السلع كلها بما فيها الأعمال الفنية، تبقى مجرّد سلع تحمل فقط أسعاراً افتراضية حتى يوجد المشتري الذي تؤهله إمكانياته للقيام بعملية الاقتناء –الشراء- لكن الإمكانيات المعنية هنا في ما يخص هذا النوع من السلع ليست هي الإمكانيات المالية فقط، بل إلى جانب ذلك هي تعني أيضا الإمكانيات الثقافية والفـكرية والذوقية، ومدى الاحتياج، والمرتبة في أولويات الشراء.
فالاقتناء معجمياً يعني: (كسبٌ وأخذٌ وجمعٌ للأشياء) ومنها الأعمال الفنية، وهو فعل ذوقي وحضاري وثقافي من قبل المتلقي الذي يقدّم ذلك المقابل الرمزي الاعتباري المادي مقابل اقتنائه لعمل فني ما وحصوله على متعة ذوقية ونفسية وبصرية تلبي مقاصد هوايته الفنية، ونزعته الاستثمارية في مجال نخبوي تحفه المغامرة، والمفاجآت، والشعور بالتميز الذوقي، والطبقي، والثقافي. والاقتناء فضاء يميل إلى اجتذاب جمهور نخبوي، متميز، وعلى قدر عال من التذوق الفني، وهذا ما يقرب طبيعة الشخص الذي يقوم بفعل الاقتناء من طبيعة الفنان نفسه لاتصافه بالسمات السابقة نفسها، وبذلك يكون الاقتناء هو الفضاء المشترك الذي يلتقي فيه الطرفان المنتج المبدع –الفنان– والمقتني المتلقي. إن ثقافة اقتناء الأعمال الفنية ذات بعد اقتصادي استثماري ايضا، فضلاً عن البعد التربوي للذوق الفني الذي يخص الاشخاص المتفاعلين مع العمل الفني. فالاقتناء فعل تتعدد منطلقاته وتختلف من فرد إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى وذلك أمر طبيعي جدا يزيد من حيوية الاقتناء الفني كفعل مكمل لدورة العملية الفنية وهي تمرّ بالفنان فالعمل الفني ثم المتلقي.
وعملية اقتناء الأعمال الفنية ليست اعتباطية بل تنبني على مجموعة من الأسس (الجمالي الذوقي/ الاستثماري التجاري/ السياسي/ شهرة الفنان/ التغريب في العمل الفني/ طبيعة المواد المستعملة في العمل/ المنطلق الإعلامي) التي تتحكم فيها، وفي اتجاهاتها، ومنطلقاتها، فضلاً عن تأثيرها في مستويات الاقتناء كما ونوعا بين منطقة وأخرى في العالم، ومن هذه الأسس ما يظهر أثره مباشرة ومنها ما يبقى مسكوتا عنه مستترا فيما وراء المسارات التي تتخذها حركة الاقتناء التي ليست سوى المظهر المحسوس من تلك الأسس المادية والمعنوية، وكل منطلق ذو صلة بالآخر وليس بمعزل عن عنه، لأنه في كثير من الأحيان تتداخل خيوط تلك الشبكة من الأسس معا لتمثل الأرضية التي تتحرك عليها الأطراف الثلاثة لعملية الاقتناء المتمثلة بـ: منتج العمل الفني (الفنان) أو مالكه (المتلقي الهاوي، أو المستثمر أو التاجر) و (العمل الفني نفسه) بأصنافه التشكيلية المختلفة لاسيما اللوحات والمنحوتات.. الخ، والطرف الثالث (المتلقي أو الزبون) الذي يستقبل العمل الفني ويقوم باقتنائه وقد يكون فرداً أو مؤسسة أو متحفا أو صالة عرض.