نصر من دون حرب

آراء 2022/07/05
...

 ميادة سفر
استخدمت الفضائيات ووكالات الأنباء، التي انتشرت بكثرة في أواخر القرن الماضي، كأدوات ووسائل وأسلحة ناعمة في توجيه الرأي العام المحلي والعالمي في مختلف الأحداث التي تحصل في العالم، واستخدمتها الدول والحكومات للترويج لسياساتها وأفكارها وأيديولوجيات التنظيمات التي تتواءم معها، وتحول بعضها إلى ناطق رسمي باسم “تنظيم القاعدة” ولاحقاً “تنظيم داعش” الإرهابيين وإن تحت شعار الرأي والرأي الآخر، إذ نادراً ما كان للإعلام وجهاً حقيقياً واضحاً وصادقاً مئة في المئة، أو تمتع بالمصداقية ونقل الخبر والحقيقة كما هي بشكل كامل ودون تحيز أو تدخل.
 
لعب الإعلام بمختلف وسائله وأشكاله لا سيما المرئية منها في السنوات الأخيرة دوراً محورياً بتوجيه الحروب وتأجيج الفتن وإثارة الشوارع وبث الفوضى وحرف مسار الأحداث، وجمع التأييد أو الرفض لحدث ما أو شخصية معينة أو بلد، وكانت حوادث ما سمي “الربيع العربي” دليلاً واضحاً وفاضحاً على ما نتحدث
عنه. دون أي اعتبار للمهنية وأخلاقية العمل، فكانت تسهم إلى حد كبير في خطط المعارك ومسارها وحتى مصيرها، تنفيذاً لأجندات معينة تحمل طابعا سياسيا وأيديولوجيا دينيا في أغلب الأحيان، وصولاً إلى تبني فضائيات ومحطات إعلامية لأجندات دول بكاملها، تدافع وتزود عنها، وتحاول تلميع صورتها، وإظهار فقط الجوانب التي تراها إيجابية، متناسية تلك السلبية منها، والممارسات التي تجري في هذه الدولة أو تلك ممن تتبنى 
مواقفها. 
لم يقتصر دور الإعلام بمختلف أشكاله المرئي والمسموع والمقروء وحالياً الافتراضي على الشؤون السياسية والاقتصادية، بل أصبحت للمرجعيات الدينية أو التي تستظل بالدين منابرها الخاصة، التي تبث من خلالها أفكارها وتغسل بها عقول الناس، بعد أن كانت تقتصر على المنابر في أماكن العبادة، أصبحت تلاحق الإنسان في كل زمان ومكان، تذكره بعذابات تنتظره إن خالفها، وتعده بجوائز وهدايا، وما إن تقلب القنوات التلفزيونية، حتى تظهر أمامك عشرات وربما مئات القنوات التي تركت شؤون الدنيا وهموم البشر والحروب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ولحقت بك لتذكرك بأفعال وأحداث جرت منذ قرون.
يقول أحد المنظرين الصينين في علم الاتصال “الحرب الإعلامية هي فن النصر دون حرب”، وهو ما يفسر الكثافة لجهة الكم في إعداد الوسائل الإعلامية دون الكيف، والتي دخلت بحلل جديدة من برامج ومقدمين وأسلوبية مختلفة، وأتت بخبراء دوليين في مختلف المجالات، من أجل صناعة وعي جديد، واختراق بنية الدول التي لديها أيديولوجيات سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية خاصة بها، لكن هذا الظهور المكثف للفضائيات وما استخدمته من وسائل تكنولوجية متطورة، لم يكن في كل الأحيان ظهوراً بريئاً.
لا شكّ أنّ رأس المال كان المتحكم الأبرز في سياسة وأيديولوجية تلك الوسائل الإعلامية، وهو الذي أبعدها عن خط المهنية والنزاهة، وأسهم بمساعدتها على تمرير وتبرير كثير من الأحداث والمواقف، حتى غدا الإنسان، أينما كان رهينة لما يبثّ أمامه دون أن يتمكن من التأكد من صحته، ودون أن يتمكن الإعلام من إيجاد الحلول للمشكلات، التي يعاني منها ذلك الإنسان، ولا المساهمة في مكافحة الفساد، الذي يستشري في البلاد، ولا حتى محاولة نشر قيم السلام والمحبة، واقتصر دورها على توجيه الرأي العام وفقاً لأهواء مموليها ومصالحهم.