سالم مشكور
نشوء الدول وتطورها مشروط بالتراكم، فالدولة يجري تشبيهها بالكائن الحي، وهي بذلك تقع تحت تأثير التراكم في جميع مراحل البناء، وبغياب هذا الشرط، عن سلوك البُناة السياسيين الذين يتوالون على ادارة الدولة، ستفقد الدولة النمو المتصاعد، وتبدأ مسيرتها نحو الفشل.
هذا ما حدث في العراق منذ العام 1921، وصولا إلى اليوم.
غياب التراكمية يحدث عادة في البدان التي تحكمها أنظمة فردية أو تعاني من انقلابات عسكرية وتغير السلطة.
في الأنظمة الديمقراطية لا توجد هذه الظاهرة عادة، لأن هدف الجميع هو بناء البلد من خلال بناء مؤسسات راسخة مستمرة لا تتأثر بتغير الحكومات، وفق الآليات الديمقراطية، لكن المفارقة أن غياب التراكم تعاني منه الدولة العراقية رغم تغيّر طبيعة الأنظمة السياسية التي توالت عليه.
في العراق عانينا من غياب التراكم بشكل واضح منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، وترسخ هذا الغياب بعد الإطاحة بالنظام الملكي، وبدء عهد الانقلابات التي افقدت العراق الاستقرار، مرورا بفترة الحكم الفردي البعثي حتى سقوطه عام 2003.
فالإنقلابي يأتي للسلطة ليلغي ما بناه سلفه، بدلا من أن يقوم بتعديله وسد ثغراته.
هو يبدأ من الصفر، وما أن يغادر السلطة حتى يأتي الخلف فيلغي كل ما بناه السلف وهكذا.
وفي ظل هكذا سلوك يستند إلى الفردية والانانية وغياب فكرة بناء الدولة، لصالح بناء المنافع الفردية أو الحزبية، لن تشهد البلاد أي تطور بل ستسير نحو الفشل التام.
الغريب أن هذا التغييب لشرط التراكم استمر حتى بعد 2003، وقيام نظام سياسي يوصف بالديمقراطي.
ما يحدث الان، وعلى كل المستويات، أن كل من يأتي إلى الكرسي يلغي ما فعله سلفه، حتى لو أضرّ بالناس وراحتهم.
وزير كهرباء سابق، وصل إلى مبنى وزارته مبكرا ليأمر بحل لجنة متابعة شكلها سلفه وربطها به شخصيا، لتقوم بمتابعة الحالات الطارئة ومعالجتها بسرعة.
وبالفعل فقد كانت الكهرباء في الصيف خلال وجوده القصير في الوزارة بحالة من التحسّن لم يشهد العراق مثيلتها منذ 1990.
ألغى اللجنة وشهدنا بعد ذلك أسوأ حالات الكهرباء في العراق.
رئيس هيئة مستقلة عرقل تنفيذ مشروع لدعم المستفيدين من القطاع الذي تنظمه هذه الهيئة، ليفصح لأحد المقربين منه أنه أحبط المشروع لئلا يصبح دعاية لصاحب فكرته وهو من داخل مجلس أمناء الهيئة.
الأمثلة لا تحصى عن حالات إلغاء المسؤولين بعد 2003 إنجازات أسلافهم – على قلتها- وهو ما يشير بوضوح إلى أن نظامنا ليس له من الديمقراطية إلّا قشورها.
النتيجة أن التراكم غاب ومعه غاب البناء والتطور، بينما الدولة تسير نحو مزيدٍ من الفشل.
العلّة تكمن في الضمير.