احمد كامل السراي
بعدما كانت الصحافة الورقية متسيدة الشارع العراقي بشكل يومي، حيث مشهد رؤية العشرات من باعة الصحف، وهم يصطفون على شكل طوابير منذ الصباح الباكر للحصول على الأعداد المطلوبة من مختلف الجرائد والمجلات، ليلبوا طلبات القراء بما يرغبون، فكثيرا ما نرى القارئ يقتني جريدة بعينها بشكل يومي، ولا يترك عددا يفوته، بل تجد القارئ حافظا لأجزاء وأقسام الجريدة، فتركيبة المجتمع العراقي فيها حب الاستطلاع واستماع الأخبار بشكل متواصل، والعراقيون يتصفون بحب القراءة، حيث ذكرهم أحد الكُتاب سابقا ان (الكتب تؤلف في مصر وتطبع في بيروت وتقرأ في العراق)، وهذا يدل على غنى العراق بالمثقفين والقرّاء، وكثرة المكتبات، ويعتبر شارع المتنبي في بغداد الشارع الأشهر في الوطن العربي، بما يحتويه من مكتبات قيمة وكتب فريدة، فضلا عن حجم الزوار المرتادين لهذا الشارع، وراحت بعض الدول العربية، تحاول تكرار نسخة شارع المتنبي في مدنها، وبعد ظهور التكنولوجيا الحديثة والاعلام الجديد المتمثل بالإعلام الالكتروني، والذي أصبح في متناول اليد عبر أجهزة المحمول، ونقل الأخبار والأحداث بشكل سريع وآني، جعل الكثير من القراء يغادرون الصحف الورقية، ما أدى إلى اندثار العديد من الإصدارات الورقية واستمرار البقية بالطباعة اليومية، لكن بأعداد قليلة بسبب قلة تهافت القراء عليها، وعلى الرغم من استحواذ الإعلام الالكتروني على أغلب القراء، لكن تبقى الصحافة الورقية لها إيجابيات كثيرة، لا يمكن للإعلام الجديد تحقيقها للقراء، فالصحافة الورقية تمتاز بكتابة الأخبار بشكل تفصيلي، إضافة إلى كتابة التقارير والتحقيقات الخبرية، والحوارات الشخصية التي تمتاز بطابعها الفني الذي يشد القرّاء، إضافة إلى القصص القصيرة وأعمدة الشعر، بينما الإعلام الالكتروني يعتمد على نقل الخبر بشكل مختصر، ما أدمن متابعيه على عدم القراءة المفصلة والاعتماد على عنوان الخبر فقط، ونادرا جدا ما تجد المتابع للإعلام الالكتروني، البحث لقراءة تقرير مفصل او تحقيق صحفي، وأصبح الكل مشغولاً بالتواصل الاجتماعي وتصفح الصور والفيديوهات المسلية او ذات المحتوى المحاكي للعاطفة .
تحاول الصحف الورقية مواصلة طباعاتها للأعداد اليومية، حيث يعاني أصحابها من شغف العيش بسبب هجرة القراء للصحف الورقية، والتي كانت تعيش ازدهارا آبان فترات القرن الماضي، فكنا نشاهد نفاد الصحف خلال الساعات الاولى الصباحية، خصوصا ايام البطولات الرياضية او المناسبات الوطنية، لما تحتويه من اصدارات مميزة توضع فيها هدية العدد، وما زلت احتفظ بتلك الهدية التي طبعت فيها منتخبات مجموعة العراق في كأس العالم 1986.
إنَّ الشيء الوحيد المتبقي الذي يساعد الصحف الورقية على الإصدار، ومصارعتها للبقاء هو طباعتها للإعلانات المختلفة في صفحات الجرائد، وقد تكون نهاية الصحف الورقية أمرا محتوما ما لم تكن هناك وقفة من الجميع لإعادة الحياة اليها كموروث ثقافي لا يمكن الاستغناء عنه، بدءا من الدولة بتهيئة مطابع خاصة للصحف والمجلات وبأسعار رمزية، إضافة إلى عودة القرَّاء لاقتناء الصحف من المكتبات، خصوصا أن أسعارها تعدُّ اسعارا زهيدة جدا، مقارنة بما تحتويه من معلومات قيمة تغذي عقل القارئ بما هو جديد وممتع.