{تفريخ بني لادن} أميركا والإسلام ومستقبل أوروبا

ثقافة 2022/07/06
...

 معاذ اللحام
ليست هذه الدراسة من الكتب الصفراء ولا يندرج ضمن الكتلة الضخمة من الأوراق الصفراء المستوردة، التي تريد أن تفقع أو تصيح في عالم الكتب باعتمادها على مقولات موضوية، كصورة ابن لادن مثلاً، لو كان كذلك لحمل عنواناً أصفر : كيف تصنع إرهابياً في خمسة أيام. 
لكنه دراسة تحلل وتستقصي عبئاً ثقافياً واجتماعياً يثقل كاهل أوروبا والغرب هو مسألة اللاجئين. هو كتاب في السلوك أساساً، لكن من وجهة نظر غربية في مسألة تخص الغرب، رغم أن اللاعبين الأساسيين في المسألة هم اللاجئون في الغرب.
إن كانت الحرب على الإرهاب وملحقاتها، تمثل إحدى المقولات الكبرى في القرن الحادي والعشرين، فإن الأفكار التي تطرحها الدراسة تشكل نقاط علام، تشبه تلك الحجارة التي يضعها المسَاحون في الأرض، تشير وتدل وتضع 
الحدود. 
وإن كان، كما قال الكاتب "هدف الدراسة هو تسليط الضوء على غالبية مسلمي أوروبا، الذين يتسمون بالاعتدال وكشف الازدواجية التي يشعر بها المسلمون الأوروبيون اتجاه أوروبا والولايات المتحدة" . 
إذن إظهار نقيض المتطرفين ودعمهم وإسماع أصواتهم والبناء عليهم لتشكيل رؤية مستقبلية للغرب، بدل الضخ الإعلامي الذي يتابع تحركات المتطرفين وحدهم. وهذا ما أشار إليه العنوان الفرعي للكتاب مخفِّفاً من حدة العنوان الرئيس: أميركا والإسلام ومستقبل أوروبا.
 
لا أحد يولد إرهابياً
لعل هذا هو المغزى الأكثر دلالة في الدراسة، ولعله علينا استشارة باحث في علم السلوك الوراثي لتتضح الصورة،علمياً، بشكل أكبر. لكن ذلك صحيح ببساطة لأن الشخص هو ناتج تربيته فـ"الإرهابيون تتم تنشئتهم" بوجود مجموعة من الأسباب التي أشارت إليها الدراسة تحدد التوجه الثقافي والسلوكي لدى الأشخاص المتطرفين منها: العوامل الاقتصادية والسياسية في البلدان الأصلية، خطب الكراهية، والبحث عن الذات والحقيقة والهوية، الشعور بالاغتراب والذي يظهر وكأنه نوع من ضلال الطريق وغياب الدليل.
من الأسباب التي تطرحها الدراسة أيضاً: فشل أوروبا في سياسات الدمج للاجئين والمهجَّرين وصورة أميركا السلبية المهتزَّة في العالم الإسلامي.
صراع قيم
حرية التعبير، التسامح الديني. هاتان القيمتان هما الأكثر إشكالية والأكثر مدعاة للذبذبة والتناقض في وجدان مسلمي أوروبا والغرب. ذلك ما تجلى واضحاً في أكثر القضايا التي هزت الوسط الإسلامي: قضية الرسوم الكاريكاتورية.
فحرية التعبير هي إحدى ركائز الديمقراطية، والتسامح الديني شرط واجب لمجتمع متطور، والحرية في أهم تجلٍ من تجلياتها: الاحترام الملتزم. لكننا سنجد أناساً احتجوا بشكل سلمي على قضية الرسوم وقلائل ممن تمت تنشئتهم إرهابياً لجؤوا إلى العنف بأقصى أشكاله أي القتل. والمجموعتان تستغلان هامش الديمقراطية المتاح لهم في الغرب. 
إن قضية الرسوم تمس الجانب الجواني العميق في شخصية مسلمي أوروبا: الهوية.
 
الهوية المستقبليَّة
إن ما يجعل من قضية ظاهرية قضيةً جوهرية، هو مدى مساسها لمنطقة حساسة في العمق الشخصي. هذه المنطقة هي الهوية. هذا ما أظهرته قضية الحجاب في أوروبا وبشكل عام أيضاً. 
يمكننا أن نعرف الهوية على الشكل التالي بأنها المنطقة التي يلجأ إليها اللاجئ في اغترابه، ليحافظ على نوع من التماسك السطحي والذي يخفي بدوره تهديداً حاضراً  بالضياع أو التشتت. لكن أية هوية؟ إنها الدين.
إنها نوع من آليات الدفاع النفسي. هناك حاجز يختلف في سماكته من شخص لآخر، يفصل بين التدين والتطرف، على الأغلب هو حاجز ثقافي يتم إنشاؤه مرحلياً عبر مراحل زمنية طويلة، ضمن مسارات من التربية والسلوك.
إن الشعور بالاغتراب والاختلاف وعدم نجاح سياسات الدمج، هو الذي يدفع اللاجئ اتجاه هذه المنطقة الوعرة نفسياً ووجودياً.
كيف ستكون هوية أوروبا بعد تزايد أعداد اللاجئين المسلمين ومعدل الولادات المرتفع، مقابل معدل الولادات المتناقص لدى الأوروبيين؟ كيف ستكون هوية المسلمين أنفسهم، بعد أن تدفقوا إلى مجتمعات مختلفة عما عهدوه في بلدانهم الأصلية؟ كيف ستكون العلاقة بين القيم والهويات والثقافات في مجتمع ديمقراطي تعددي. إن خطر صراع القيم هو الأكثر تأثيراً وتحديداً لهوية أوروبية تشمل المسلمين.
 
أصوات متعددة
تظهر الدراسة بأن مسلمي أوروبا ليسوا معادين لأميركا، بل إنهم يعانون من أعراض "اختلاط المشاعر"، إنهم متذبذبون في مشاعرهم اتجاهها. إنها تشبّههم بكاثوليك أميركا الذين عانوا طويلاً لكن في النهاية تم دمجهم في المجتمع بشكل صحي. 
سنجد أصواتاً كثيرة متدينة وتنبذ العنف وأصواتاً أخرى بنيت شخصيتها على الكراهية. سنجد يميناً غربياً يقابل التطرف بالتطرف ويدفع المهجَّرين إلى الزاوية الضيقة. بالمقابل تعمل أوساط مختلفة على تفعيل سياسات الدمج المجتمعي. 
سنجد إشارات إلى "رزان" الدمية البديل الإسلامي لـ"باربي وممتلكاتها المادية"، و"قبلة كولا ومكة كولا"، كبدائل لكوكا كولا وغيرها.. إنه بحث عن نمط من العدالة الاجتماعية من وجهة نظر مسلمي أوروبا وأميركا، البحث عن رؤية.
"إن حصول مسلمي أوروبا على الحقوق الكاملة للمواطنة، والانخراط بفعالية في العملية السياسية قد يشكل أفضل حصيلة تنتج عن المناخ السائد حالياً والمتسم بعدم اليقين. 
إذا توصلوا للشعور بأنهم مندمجون تماماً ومقبولون تماماً كجزء من المجتمع الأوروبي، فإن مشاعرهم المختلطة ستتلاشى مع الزمن"
نشرت هذه الدراسة في 2006 أي قبل حصول موجات اللجوء الضخمة الأخيرة، التي نتجت عن تداعيات الربيع العربي. ونشرت بترجمة مسؤولة من قبل الدكتور نايف الياسين وصدرت عن دار التكوين في دمشق مؤخراً، وهي جديرة بالقراءة كونها تناقش وضعاً أصبح ملحاً على الساحة العربية والدولية، وأعني قضية اللجوء وتداعياتها السلوكية.