لعبة الأكاذيب

آراء 2022/07/16
...

 رعد أطياف
 
كلما مرّت أكاذيبنا بـ «سلام» دون أن ينتبه إليها أحد أعطتنا زخمًا استثنائيًا لإعادة الكرّة. الأكاذيب التي تنطلي على الآخرين «تلهمنا» تسويغات وتبريرات عِدّة ومن أهمّها: أننا على الجادّة الصواب، وأن ما نقوم به نصرة لقضية أوسع. وهذه الأكاذيب تبدأ من شؤوننا اليومية البسيطة، مروراً بعلاقاتنا مع الآخرين ونهاية بوظائفنا السياسة والاجتماعية. وأيًا كان الكذب فعاقبته خطيرة ونتائجه كارثية تتجسد على شكل معاناة نفسية مؤلمة.
 وفي ما يتعلّق بالشأن السياسي، نبرر أكاذيبنا بهذه المقولة: نحن نتشبّث بالسلطة لا لرغبة متأصّلة في ماهيّة السلطة وإنما حبٌ بهويتنا الاجتماعية أو المذهبية، ولكي نضمن لها حقوقها وديمومة هويتها. هذا التبرير هو الخطاب الرئيس لمعظم السياسيين الذين يشرعنون أكاذيبهم بهذا المنطق، والحقيقة أنهم عطاشى لا يرتوون من بحر السلطة المالح. حتى صار الكذب رديفاً للسياسة وتعريفاً لها وبين السياسة والكذب علاقة مطابقة منطقية.
 المهم في الأمر، تتسع دائرة الأكاذيب في شؤوننا اليومية وتنطلي علينا دائرة المكر والاستدراج. كيف؟ لأننا تورّطنا بمعيار خطير، وهو طالما أنها تنطلي على الآخرين فحينئذٍ يمكن للسفينة أن ترسو بسلام! ويمكن تكرار الأكاذيب طالما يوجد أناس مغفلون. وهؤلاء يمنحوننا زخماً إضافياً لتوسعة دائرة الكذب. ومادام العالم مفقساً كبيراً للمغفلين فلماذا لا نضاعف رغبتنا الجامحة بالكذب؟!
 غير أن الذات مُستَبعَدَة من هذا التخطيط الأحمق. بمعنى، حتى لو انطلت الأكاذيب على الآخرين لكنّها ستلتصق مثل المغناطيس في الذاكرة، وتتحول إلى صورة نفسية مؤلمة، وبمقتضى التراكم ستولّد معاناة نفسية. وعلى الرغم من أنانيتنا الفجة تجاه ذواتنا وميلنا المفرط نحو تضخيمها واعتبارها أكثر أهمية من الآخرين، لكن حين يصل الأمر إلى الكذب نجعل هذه الذات المسكينة ملعباً للأكاذيب ومحلّاً واسعاً للآلام النفسية. وبهذه السلوك الأحمق نخسر الاثنين: الذات والآخر؛ كلاهما أصبحا مرمىً واسعاً لأكاذيبنا. لكي تأخذ الذات حقّها بالطمأنينة ينبغي ألّا نسقط في وهم الآخرين، بحجّة أنهم لا يعلمون بأكاذيبنا، فالذات لها حصة الأسد وأنها سترتدّ عليك بصورة نفسية أقلها هو الكرب النفسي. فإن كان ثمة تضخم للذات فهو تضخم ناتج عن الأثر النفسي الذي يتركه الكذب وليس من الشعور بالأهمية!
شخصياً، وبحدود تجربتي، لم أصادف شخصًا كذّابًا أو منافقًا يشعر براحة البال على الإطلاق. لكنّه، وهذا أسوأ، لا يدرك السبب الجوهري وراء التوتر النفسي الذي يحدث فجأة “بلا سبب”. أي أنه لا يدرك العواقب النفسية للكذب. وحتى لو أدرك هذه العواقب، فأغلبية ميالون لتقديس العادات ولو كلّفهم حياتهم.