د.عبد الخالق حسن
ترشدنا التجارب، القريبة منها والبعيدة، إلى أن الفوضى القاتلة تتغذى وتنمو على الانقسامات المجتمعية التي قد تصيب جسد حتى المكونات المتماثلة.
في التنافس السياسي الذي غايته الحصول على قناعات الناخبين، هناك خطوط حمر لا يجب تجاوزها، بل إنَّه من الواجب تجريم من يحاول كسر تابوهاتها.
لعل أخطر هذه الخطوط هو موضوع السلم الأهلي الذي بفقدانه لا تظل أي قيمة أو معنى للتشكيلات السياسية، بل قد تتحول هذه التشكيلات نفسها إلى خنادق حرب يسقط عند عتباتها الأبرياء.
نستذكر هنا ما حصل سابقاً في لبنان ويوغسلافيا ورواندا وغيرها، ونستحضر أيضاً بكثير من الوجع سنوات الاحتراب الطائفي، التي هشمت أمننا وانغلقت بسببها حدود مدننا حتى صرنا محشورين كالغرباء المسافرين المحشورين في قاطرات الموت.
لكننا استطعنا تجاوزها بكثير من الألم ومعها الكثير من الحكمة في أننا خاسرون جميعاً في هذه الحرب البشعة.
اليوم، ومع ما تعانيه أوضاعنا السياسية من تشنج واستقطاب مخيف، تعود نغمة الاحتراب الداخلي، لكن هذه المرة بين المكونات المتماثلة.
يحدث هذا بمضخات إعلامية تريد أن تشتعل النيران داخل البيت الواحد لغايات مريضة وخبيثة.
من بين هذا الضخ الإعلامي، هناك حيز كبير يركز على الخلافات بين الإطار والتيار الصدري.
صحيح أن الفريقين متباعدان سياسيا وذوقيا، لكن التاريخ الذي يجمعهما هو تاريخ واحد من التضحيات والاستهدافات من أعداء يتربصون بهما، يمثل انفجار احتراب بينهما أقصى غاياتهم.
فلا مستفيد من حرب بين الإطار والتيار سوى من يريد إضعاف المكون الاجتماعي الأكبر.
لهذا نراهن على حكمة القيادات في الفريقين من أجل طمأنة الشارع والأخذ به إلى محطات الأمان.
وتظل باقي التفاصيل سهلة ما دام التعاطي معها يجري عبر الأدوات السياسية التي تسمح بارتفاع السقوف وانخفاضها.