د. سهام السامرائي
يقول الله تعإلى (وقفوهمْ إنهم مسؤولون) (وقفوهمْ) احبسوهم، يقال: وقفته وقفا فوقف وقوفا. قال المفسرون: لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط لأن السؤال عند الصراط، فقيل: وقفوهم (إنهم مسؤولون) قال ابن عباس: عن جميع أقوالهم وأفعالهم. وفي الخبر عن النبي (ص) قال: (لا تزول قدما ابن أدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة أشياء: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به). مسؤول اسم مفعول وليس اسم فاعل! فهو مسؤول كثير، وليس كبيرًا، وهو مسؤول (عن) وليس (على). هذه الكلمة مقلوبة لغويا ومعنويا.
كان عمر بن عبد العزيز يكررها مرارًا وهو يصلي في الناس من هول وعمق معناها؛ فهو يدرك أن معناها التكليف الذي يعقبه الحساب العسير، حين تولى الخلافة توجه إليه ابنه عبدلله وقال له: يا أبت إنك سوف تُسألُ يوم القيامة ويُسألُ معك أهل بيتك، فامشِ على الحق، ولو ضِعنا في قدور تغلي بنا، فلا تترك الحق يا أبتِ.
فقال عمر: الحمد لله الذي جعل من أهل بيتي من
يُذَكِّرني.
والمناصب العامة أمانات مسؤولة، وهي من بين أعلى الأمانات، والتفريط فيها بتسليمها لغير المؤهلين لها يُعد خيانة عظيمة.
روي عن النبي عليه السلام أنه قال: (من استعمل رجلاً على عصابة – أي جعله مسؤولا على جماعة – وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)، وقال (من تولى من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة، فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم).
يعني ان (عدل عن الحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو صداقة، أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة، أو غير ذلك من الأسباب أو لضَغِنَ في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله
والمؤمنين).
يقول أحد العلماء: لما كانت الإمارة فيها من الصلاحيات الواسعة، ما تغري المرء بالجور والبطش، وسريعًا ما نرى الرجل الصالح بعد أن يستمرئ طعم الإمارة يبدأ بالإنحراف، ثمّ إنّ الإنكار عليهم يحتاج من قوّة الإيمان والجرأة ما يفتقده كثيرٌ من الناس اليوم، لأنّ التّفكير المصلحيّ قد يمنع المرء من الإنكار على الأمير، إذ التّرقيات بيده، والعزل بيده، والمِنح الماليّة بيده، وفُرص العمل بيده، فيما يظنّ الناس ويرون من ظاهر الأمر، أما العلماء فيعلمون أنّ الفاعل على الحقيقة هو الله، والمالك على الحقيقة هو الله، ولا نفع ولا ضرّ إلا
بيده.
المسؤولية أمانة جسيمة و وديعة عظيمة مشتركة بين أبناء المجتمع جميعًا على اختلاف مراتبهم ومواقعهم في السُّلم الاجتماعي، أو سلم العمل الوظيفي أو سلم السلطة، والمحافظة عليها واجب ديني وأخلاقي ووطني لأهميتها الكبيرة في استقرار وازدهار وتقدم وأمن البلاد، والإخلال بها وحرف مسارها خيانة لله وللوطن والمواطن.
اليوم وفي ظل الظروف العصيبة التي تسود عراقنا الجريح والتي تشكل بمجملها تحديات صعبة، بات أمرًا مفروضًا على أصحاب القرار والسلطة في الحكومة المركزية محاسبة ومعاقبة كل مسؤول استغل منصبه لمنفعة شخصية أو للتكسب المادي غير المشروع.
وبات لزامًا على السلطة المركزية مراعاة حق الله في اختيار الأشخاص القائمين على المؤسسات والهيئات والوزارات من الكفوئين والنزيهين لإشغال المناصب القيادية فيها، إذ يستغل بعض هؤلاء الأشخاص غير المؤتمنين وممن ينطبق عليهم مصطلح (مسؤولو الصدفة)، مثل بعض (سياسيي الصدفة)، الذين تحدّروا عن مصادفات القدر إلى تبوَّأَ مناصب قيادية ووجدوا في المناصب التي شغلوها فرصة لنهب وسلب خيرات البلد، من دون مراعاة حقوق الدولة التي أمَّنتْ بهم وحقوق المؤسسة التي يرأسونها و حقوق الناس التي وُضِعت بين أيديهم.
إنَّ من واجب الدولة اختيار الكفاءات ممن يتصفون بالأمانة والنزاهة والضمير والإيمان بعِظم وثقل المسؤولية، وممن يضعون مصلحة البلد نصب أعينهم وفوق مصالحهم الشخصية، وممن لا يتطلعون للرئاسة من أجل الحظ الدنيوي، من عز وجاه وتسلط على رقاب الناس.
وعدم منح المناصب هبات ومحاباة لبعض المقربين أو أصحاب المنافع والمصالح الخاصة لعصبية قبلية أو حزبية.
على المسؤول المُكلف أن يدرك أن اختياره للقيام بالمسؤولية الإدارية في هذا المكان أو ذاك جاء لغرض تحقيق أهداف خدمية للمجتمع كله دون تمييز ومحاباة.
فالمسؤولية لا تعفي المسؤول من تخطي الحق والعدل وأن يتاح للمسؤول فعل ما يريد.
وتأسيسًا على ما تقدم: فالمسؤولية تقع على عاتق المواطنين جميعًا ؛ إلا أنّ مسؤولية رئيس الدولة تأتي في مقدمة المسؤوليات و أكبر من مسؤولية عامة الناس، لما له من سلطاتٍ وصلاحياتٍ واسعةٍ وشاملةٍ ؛ إنكم مسؤولون أمام الله والتاريخ على أمر هذا البلد بأرضه وسمائه، بشؤونه ومصالحه وحاضره ومستقبله هو وديعة وأمانة بين أيديكم وفي أعناقكم؛ وعليه فإن أولى خطوات الإصلاح يجب أن تبدأ بإعادة هيكلة الجهاز الحكومي وتقييم العاملين فيه وطرد وعزل المسؤولين المرتبطين بقضايا فساد؛ غير المؤتمنين على مصلحة البلاد والعباد الذين يتعاملون مع مؤسساتهم كأنها إقطاعية ورثوها أبًا عن جد! الذين لا يقبلون حتى في الخيال فكرة تداول المنصب.