من صدام الحضارات إلى تعايش الثقافات

آراء 2022/07/20
...

 علي المرهج
سادت في الفكر الغربي أطروحات معاصرة لتفسير حركة التاريخ، أهمها: أطروحة “نهاية التاريخ” لـ (فوكوياما) و“صدام الحضارات” لـ (هنتنكتون)، فضلا عن أطروحة (ألفن توفلر) بشأن “حضارة الموجة الثالثة” و“صدمة المستقبل”، والتي تصب كلها في خدمة فكرة “العولمة” التي لم تبق في إطار كونها فكرة بقدر ما كان الغرب ساعياً وما زال إلى تطبيقها والتي تذهب إلى تكريس المقولة السابقة المؤمنة بمركزية الغرب وهامشية الشرق، أو التي تقسم العالم إلى بلدان شمال وبلدان جنوب، سادة وعبيد.
 
ضمن مفهوم “القرية الكونية” الذي يُكرَس مفهوم التبعية ومحاولة خلق مجتمعات استهلاكية تدين باستهلاكها للمجتمع المنتج، متمثلاً بالمجتمع الغربي والأميركي تحديداً، والذي يجعل مفهوم “الدولة الرخوة” قابلاً للتطبيق، بقصد إلغاء الهويات الوطنية وتذويبها ضمن دولة المركز، وذلك عبر نشر ثقافة وتقاليد وحضارة هذه الدولة، التي تتمحور حول محاولة المرادفة بين “العولمة” و”الأمركة”، من خلال تقزيم أوروبا وتهميشها، وبناء رؤية عن الإسلام لا تبتعد كثيرًا عن الإسلام، الذي صوَره المستشرقون سابقاً، وهو إسلام متطرف يلغي “الآخر” كونه يشكل خطرًا على الثقافة المسيحية، ولذلك لا بدّ من مواجهته، لأنه يُشكل 
آخر معاقل التهديد للثقافة الليبرالية 
الغربية لا سيما الأميركية!، وفي حال الخلاص منه نصل إلى “نهاية التاريخ” وتتويج “الليبرالية” عرش العالم، كما يقول فوكوياما.
قرأ العرب والمسلمون أطروحة هنتنكتون على أنها دعوة إلى الصدام، والقليل منهم من فهم أن هذا المفكر كان يطرح قراءة استشرافية مستقبلية تُنبه الإدارة الأمريكية، كي تضع ستراتيجية لتفادي هذا الصراع أو مواجهته لتبقى الليبرالية الطريق الأفضل للتعايش. لكن المسلمين أثبتوا الصدام، حينما انبرى بعض الإسلاميين  المتطرفين لضرب برجي التجارة في أميركا وقتل أكثر من أربعة آلاف من البشر من مختلف الجنسيات والقوميات والديانات.
في كتابه (تعايش الثقافات) يُحاول (هارولد موللر) طرح مشروع مُضاد لمشروع (هنتننغتون) للرد على ما طرحه في كتابه (صدام الحضارات).
يعتقد (هارالد موللر) أن “تعايش الحضارات” ممكن جدًا، لأن الأفضل لنا البحث عن طرق للتواصل وبناء السلام بيننا، لنعيش بحرية، لأن (التعايش) ضرورة اجتماعية.
يُضمر (موللر) في كتابه هذا دعوة للتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما يُظهر (هنتنغتون)، دعواه الواضحة في التأكيد على أن الثقافات بعضها ضد بعض، وكل قول ينفي هذا الصراع إنما هو من قبيل تصور التوافق بين الشاة والذئب، لأن مشروع (هنتنغتون) يُعيد لنا انتاج رؤية 
(توماس هوبز) بأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وأن الأصل في الحياة الإنسانية هو الصراع.
يدفع (هنتنغتون) باتجاه الصراع الأصولي الديني لأقصى ما يُمكن، ويعمل على جمع حضارات دينية شرقية قديمة ليضعها بمصتف حضارة علمانية (غربية) لها جذور دينية مُغايرة، وكأنه يروم القول لنا أن هناك صراعاً بين الحضارات ذات الطابع المسيحي وما ينتمي لها تعيش الصراع مع حضارات الشرق ذات الطابع الوجداني ليجمع بين أنماط ثقافية مختلفة ولو كانت تلتقي بكونها ذات أصل قاري واحد!.
والغريب المستغرب أن (هنتنغتون) يرى أن هناك إمكانية لتحالف الإسلام مع الكونفشيوسية!، ويستبعد تحالف الإسلام مع المسيحية رغم أن الأصل فيهما واحد ألا وهو الديانة الإبراهيمية.
يكشف (موللر) عن حجم الدعم الأميركي لدول إسلامية يتجاوز حجم اتفاقات هذه الدول مع الصين (الكونفشيوسية).
يصف (موللر) (هنتنغتون) بأنه كمن “يضع نظارات زرقاء لا يُمكنه إلا أن يرى العالم أزرق».
يعتقد (موللر) أن السياسة الأميركية تبحث عن نظريات سهلة لمواجهة الآخر لا على كسبه وصناعة أعداء دائميين على قاعدة “نحن” و “هم».
يطرح موللر فكرة الأقاليم الكبرى في السياسة الدولية، وهي: الغرب، وآسيا، والعالم الإسلامي، وروسيا ومجالها، وأقاليم الأطراف هي: أفريقيا وأمريكا اللاتينية، ليؤكد أن الثقافات في دينامية 
مستمرة وجميع الثقافات مندكة في عملية التحديث الثقافي وتفعيل سياسة التوازن الدولي في العلاقات الذي تحكمه فكرة “تقارب الثقافات” وتعايشها، لتحصل تحالفات لا علاقة لها بالأصل الثقافي الموروث، فيضرب لنا أمثلة عن التحالفات الدولية التي لا تحكمها جذور ثقافية واحدة سواء أكانت دينية أم حضارية، وحتى ثقافية، ليؤكد لنا أن “تعايش الثقافات” هو الذي يحكم العلاقات الدولية لا “صدام الحضارات”.