د. طارق عبد الحافظ الزبيدي
يتطلع المواطن العراقي منذ بداية اكتشاف النفط في العراق بداية القرن العشرين للحصول على نسبة من هذه الثروة المهمة، لاسيما أن التطلعات ازدادت واصبحت واضحة للعيان لاسيما بعد التغيير السياسي عام 2003 والتخلص من النظام الاستبدادي والانتقال نحو النظام الديمقراطي، الذي يفترض أن يلبي كل تطلعات وطموحات المجتمع، لا سيما الحصول على مورد ثابت بالقياس الى بعض دول الخليج العربي، التي خصصت جزءا من هذه الثروة لمواطنيهم والعراق لا يقل أهمية عن تلك الدول.
لذلك أخذت معظم الحكومات المتعاقبة منذ 2003 ولغاية اليوم تضع هذا المطلب ضمن الأولويات في برامجها الانتخابية، ما قبل الفوز وبرامجها الحكومية ما بعد الفوز، وجميع الكتل السياسية على اختلاف مشاربها تؤكد في برامجها الانتخابية السعي لإعطاء حصة من النفط لكل مواطن عراقي، لكن مع شديد الاسف لم يتم تطبيق هذا الهدف على ارض الواقع لغاية اليوم .
وفي إطار الدراسة الأكاديمية تعلمنا ان نبدأ بالتساؤلات التي يطرحها موضوع الدراسة؟ والتساؤلات التي قد تطرح هنا، هل هذا الطموح صعب المنال وهل يحمل في طياته أفكارا طوباوية ام مطلبا سهل التحقق؟ و اذا ما كان المطلب صعب التحقيق، لماذا تتكرر الدعوة له قبيل كل انتخابات وقبيل تشكيل كل حكومة؟ هل إعطاء حصة من النفط لكل مواطن يؤدي الى انهيار الاقتصاد بسبب استنزاف اهم مورد من موارد الموازنة العامة للبلد، أم انه لا يؤثر؟
هنا نقول إن الاجابة عما سبق لا يمكن أن تكون بنعم او لا، بل التفاصيل تطول ويطول الشرح حولها، وهنا لسنا بصدد السرد المطول او الحلول القائمة على أساس المجاملة او تخدير المشاعر، بل نحاول أن نعالج الموضوع بطريقة علمية اكاديمية مع ضرورة الاخذ بنظر الاعتبار الظروف، التي يمر بها البلد لا سيما الظروف الامنية والعسكرية وانعكاساتها على الظروف الاقتصادية بالمجمل.
وفي ظل التقلبات الاقتصادية في سوق النفط العالمية و في ظل الظروف التي يعشها العراق اليوم، نعتقد أن اعطاء حصة من النفط لكل مواطن عراقي ممكنة، لكن قد يكون هناك تأثير كبير جدا على الموازنة العامة، والتأثير هنا متأتٍ من كون الرواتب التي تعطى للموظفين و المتقاعدين حجمها كبيرا، لا يمكن اضافة الحصة النفطية العينية اضافة الى هذا العبء .
وهنا نقول بتواضع توجد فكرة بعطاء حصة من النفط لكل مواطن عراقي، لكن بشرط تحديد الفئات المشمولة، وبتحديد الفئات نستطيع أن نحول الطموح الى الواقع، و اضافة الى ذلك ان تحديد الفئات المشمولة مبالغها المطلوبة ستكون قليلة بالقياس الى اعطاء الحصة لكل المواطنين، والاهم من ذلك ان تحديد الفئات هو المرحلة الاولى قد يعمم المشروع لجميع المواطنين في المستقبل، لا بد من التاكيد ان تحديد حصة النفط لكل مواطن ضمن فئات محدد سيكون جانبا كبيرا منه تحقيق للعدالة الاجتماعية، والفئات المقترحة أربع فئات يمكن توضحيها بما يلي:
1 - المواطنون العراقيون الأيتام دون سن 18 سنة .
2 - المواطنات العراقيات الأرامل والمطلقات .
3 - المواطنون المرضى بالأمراض الخطيرة (السرطان على سبيل المثال ).
4 - المواطنون ممن يعيشون تحت خط الفقر (الفقر المدقع) .
وهنا قد يقول البعض أن نسبة هذه الفئات غير قليلة وقد تشكل نسبة لا تقل عن ثلث المواطنين العراقيين، هنا نقول ان هذه النسبة حتى وان كانت هكذا هي نسبة واقعية بالإمكان تخصيص نسبة من مبيعات النفط بنسبة 10 %، واعطاء لهم الوارد من النفط ضمن هويات الكترونية تخصص لكل شخص مشمول ضمن الفئات اعلاه.
وللتخلص من موضوع صعود اسعار النفط وهبوطه يمكن تحديد النسبة ( 10 % ) على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي المواطن المشمول لم تحدد حصته بمبلغ معين، بل يأخذ حصته بالاستناد إلى الأسعار العالمية، فاذا ما كانت قليلة لا يمكن له أن يعترض لاسيما انه في حالات قد يأخذ مبلغا جيدا في حالة صعود الاسعار و قد يأخذ مبلغ قليل جدا في حالة انخفاض الأسعار، بمعنى آخر تحديد النسبة دون تحديد المبلغ يصب في مصلحة الحكومات القائمة ويُمكنها من تحقيق هذا الهدف بسهولة ويسر، وفي الوقت نفسه يزرع الثقة لدى المواطن، باعتبار أن هذا المبلغ هو ليس راتب رعاية اجتماعية بل نسبة بسيطة من حصته من النفط
العراقي .
واعطاء الحصة النفطية لهذه الفئات في العراق له مردودات ايجابية كبيرة لا يمكن حصرها لعل من أبرزها ما يلي :
1 - إنهاء معاناة هذه الفئات المستحقة .
2 - تحقيق مساواة وعدالة اجتماعية بين الفئات المترفة والفئات المسحوقة .
3 - تحقيق طموح حلم به كل مواطن عراقي وتحويل هذا الحلم إلى حقيقة .
4 - تحديد الفئات يُمَكن الحكومة من اعطاء الموارد دون تأثير في كاهل الموازنة، لا سيما اذا ما لم تحدد الحكومة المبلغ بل تحدد النسبة.
5 - مساعدة و تمكين تلك الفئات لتغيير حالها نحو الافضل .
6 - تخفيف السخط الشعبي من قبل هذه الفئات نحو جميع الحكومات القائمة .
7 - إعادة تعزيز الثقة بين المواطن وحكومته .
وفي خاتمة القول لا بد من التأكيد على أن الاكتفاء الاقتصادي مهم جدا ومرتكز، ليس فقط لتحقيق العدالة الاجتماعية فحسب بل مرتكزاً لتعزيز الديمقراطية لان قيام الديمقراطية في ظل الفقر والعوز الشديد تجعل منها ديمقراطية هشة وليست مستقرة، وبالتالي يعاب على النظام السياسي القائم باعتباره عاجزا عن تقديم اي خطة تذكر للخروج من هذه الأوضاع الاقتصادية التي عاشها ويعشها العراق الآن.