أُسُس البِناء الدِيمُقراطي

آراء 2022/07/24
...

  سَـعَـد الـراوي
تشهد بلداننا منذ أكثر من عقد من الزمان ثورات وتظاهرات للتغيير والإصلاح السياسي، وتكررت حتى بعد تغيير الحاكم أو الحزب الحاكم، ولكن حتى الآن لم نجد بلدا ترسخت فيه الديمقراطية واستمرت، بل جميعها وبنسب متفاوتة نستطيع أن نقول لم تنجح أو لم تصل إلى مصاف الدول الديمقراطية
 إنَّ الديمقراطية ليست غطاءً يمكن استخدامه بأي وقت، وليست قناعا تستبدله نخبة أو حزب استولى على سلطة البلاد، فالديمقراطية بمفهومها البسيط هي حكم الشعب بنفسه عن طريق ممثليه، الذين فازوا في 
الانتخابات. 
ولا أُريد الاسهاب في موضوع معنى الديمقراطية والانتخابات لكني أُريد التركيز على أسس بنائها حيث أن لكل بناء أسساً ومستلزمات.
ومن الضروري معرفة بأن كل بلد له خصوصياته وما يصلح لهذا البلد لا يمكن تطبيقه حرفياً في بلد آخر، وهذا ما نراه جلياً في البلاد الديمقراطية فكل بلد له نظام انتخابي وله قانونه الخاص، فنرى دولة تكون فيها الانتخابات بدوائر متعددة وأُخرى في دائرة واحدة فقط، ودولة نظامها برلماني وأُخرى رئاسي وثالثة مختلط، وهناك دول فيها نظام القائمة المفتوحة وأُخرى القائمة المغلقة أو شبه مغلقة، وهناك طرق متعددة لاحتساب المقاعد البرلمانية أو المحلية تختلف من بلد لآخر.... الخ، لكن كل هذه البلدان التي ترسخت فيها الديمقراطية قد توافرت فيها مستلزمات هذا البناء ومرت بسنين طويلة حتى ترسخت جذورها.
ندون أدناه أهم وأبرز سمات وأُسس الدولة الديمقراطية:
 
1 - أن تكون الدولة ذات استقلالية وسيادة كاملة غير منقوصة، وتتخذ قراراتها وفق الدستور والقوانين النافذة دون تدخل جهات فاعلة دولية ومن غير
الدول.
2 - لا بدّ من ربط الاستقلال أو التحرر من الدكتاتورية بالديمقراطية، فمعظم ثورات التحرر هي للتغيير دون إيجاد منهاج واضح لتكريس الديمقراطية.
 
3 - نركز على الحاكم دائما دون أي أهمية لثقافة الشعوب، فتغيير الحاكم أسهل من تغيير الشعوب على قول الإمام الغزالي- رحمه الله- فمعظم بلداننا أخذت الاستقلال وبعضها تحرر من الدكتاتور ولكن لا يوجد بلد ترسخت فيه الثقافة الديمقراطية بالشكل الذي نراه في الدول الديمقراطية 
الأخرى.
 
4 - ثقافة عالية لدى النخب السياسية ومقبولة لدى جمهور الناخبين.
 
5 - لدينا نخب مثقفة تراقب وتنتقد نقد بناء وتضع معالجات لتصويب الطريق الديمقراطي وتصحيح مساره إذا انحرف، وهذه النخبة تبتعد عن اليأس أو أن تكتفي بالنقد اللاذع دون إيجاد حلول ناجعة، وهذه مشكلة اعتقد موجودة في معظم بلداننا العربية إن لم نقل أكثرها، فنجد الكثير يتجه مع قادة أو أحزاب انحرفوا عن المسار الديمقراطي سواء في التنظيم الحزبي أو في 
السلطة.
6 - وجود منظومة قانونية ديمقراطية متكاملة وواضحة ومفصّلة.
 
7 - وجود مؤسسة مهنية تُكلف بموجب الدستور وقانون خاص بها مفصل يقع على عاتقها إجراء كل الانتخابات والاستفتاءات، قد تستعين بخبرات دولية في بداية تأسيسها ولكن بعد عدة دورات انتخابية، لا بدّ أن تعتمد على خبرات كوادرها الوطنيين، وأن تكون هذه المؤسسة محل ثقة واحترام الجميع والكل يشعر بأنها مؤسسة مهنية احترافية، لا تميّز بين (س) و (ص) من الأحزاب أو المرشحين أو الناخبين.
 
8 - وجود أحزاب سياسية تتساوى أمام القانون وتؤمن بفكرة التداول السلمي للسلطة والحوار البناء لإرساء دعائم الديمقراطية. و
تطبق الديمقراطية داخل تنظيماتها وفي طرق اتخاذ القرارات.
 
9 - وجود منظمات متخصصة بالثقافة الديمقراطية عموماً والانتخابات، خصوصاً التي تعمل وتتابع وتراقب بمهنية واحترافية لا تتبع لأحزاب السلطة ولا للمسؤولين.
 
10 - إبعاد كل صنوف وتشكيلات القوات المسلحة سواء الداخلية أو الدفاع أو الأمن أو أي جهة ذات طابع مسلح عن العمل السياسي، وتشرع بذلك قوانين ملزمة للجميع بلا استثناء.
 
11 - في بدايات التحول الديمقراطي لا بدّ من الاستعانة بالخبراء والمراقبين والمنظمات الدولية المختصة ولكن لا يمكن الاعتماد عليها لفترة طويلة، فلا بد من إيجاد بدائل محلية وطنية لتكون جزءاً من الحل في حال تعثر الديمقراطية أو
تراجعها.
 
12 -ضرورة إيمان الأحزاب والقادة السياسيين بوجود سلطة أو حكومة ومعارضة، لا أن يكون هدف الجميع هو الوصول للسلطة بشكل متزامن، إذ يؤدي ذلك إلى تراجع كبير في الأداء الديمقراطي، فالمعارضة الحقيقية تراقب وتصحّح ويمكن أن تكون بديل في حال اسقاط الحكومة بعد 
فشلها. 
13 - لا يمكن أن يكون حزباً أو شخصاً أو عائلة أو قومية أو طائفة.. الخ فوق القانون أو خارج المساءلة. 
 
وهذه معضلة يجب أن يتعاون الجميع على حلها بالطرق القانونية وتكون ثقافة عامة عند 
الجميع.
 
14 - مؤسسات  إعلامية مهنية رسمية وغير رسمية تؤكد زرع الثقافة الديمقراطية وترسيخها من خلال برامج هادفة ومتنوعة وبشكل مستمر.
 
15 - استحداث مناهج دراسية لكل المستويات التعليمية ابتدائي وثانوي وجامعي تختص بالوعي والثقافة الديمقراطية.
ومعاهد متخصصة في الثقافة الديمقراطية. 
 من كل ما دون أعلاه نرى مدى حاجة بلداننا إليها وكم تطول هذه الفترة لوضع الأسس الرصينة للبناء الديمقراطي السليم، فنحتاج إلى جهود السياسيين والإعلاميين وقوات الأمن بجميع أصنافها والأكاديميين والنخب المثقفة جميعاً وعموم المواطنين، لتتضافر كل الجهود لإعلاء هذا الطرح كي يعم الاستقرار وتزدهر البلاد ويطمئن كل مواطن على حقّه فيما خوله القانون والدستور ويشعر بطمأنينة، وبأن الجميع سواسية أمام القانون فلا يمكن أن يتقدم الوطن وتزدهر البلاد وتعلو رايتها في ظل الفوضى وبعيداً عن الاستقرار وسيادة
 القانون.
 
 نائب رئيس مجلس مفوضية الانتخابات الأسبق