نكسة أم هزيمة؟

الرياضة 2022/07/24
...

علي رياح

في بعض الأحيان، أو في كثيرها، يلجأ الكاتب إلى مخزون اللغة من بلاغة وتورية ومجاز لوصف مشاعر أو للتعاطي مع مشكلة أو حدث، أو حتى للتغطية والتمويه على حقائق، وغالباً ما تفضي شطارته على هذا الصعيد إلى إيصال رسالة مختلفة للقارئ، رسالة لا تعكس الوقائع!
بعد خسارتنا الرباعية الموجعة أمام اليابان على ملعب نيسان المونديالي في حزيران من عام 2015، كانت تتنازعني فكرتان لا ثالثة لهما في كتابة وصفي للإعلام العراقي وقد كنت الموفد الصحفي مع بعثة المنتخب.. لا أدري من أين أحاطت بي فكرة لا صلة لها بالكرة أبداً، فمن بين ما قرأت، استعادت مخيّلتي حرب حزيران 1967 حين تركت القيادة المصرية تفاصيل المأساة التي تسببت فيها الهزيمة المنكرة وراحت تبحث تحت مشورة الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل عن وصف أخفّ وقعاً على المصريين والعرب، فعثرت على مفردة (نكسة) في وصف الهزيمة.. ومازال العرب مختلفين حول وصف ما جرى بين هزيمة ونكسة! 
ما علينا!! نبذت هذه الفكرة العسكرية في وصف مباراة كروية، وقلت في دخيلة نفسي: لماذا لا ألجأ إلى الصحف اليابانية وما كتبته في اليوم التالي للمباراة، فلربما ستعينني وجهة نظر الغرماء على فهم ما جرى للمنتخب العراقي في تلك المباراة؟!
مشيت في الشارع الرئيس في مدينة يوكوهاما طولاً وعرضاً بحثاً عن كل ما تعثر عليه يدي من صحف رياضية وأخرى غير متخصصة.. وكانت مهمة مترجم الوفد العراقي ـ بالاتفاق مع الصديق شرار حيدر رئيس الوفد، أن يترجم لي العناوين الرئيسة لما كتبته الصحف.. وقد فوجئت بحجم التغطية للحدث.. 
الحدث بالنسبة لليابانيين هو الفوز على أسود الرافدين بأربعة أهداف نظيفة، ودُهشت للإفراط في صور الأغلفة والصفحات الأولى.. معظم الصحف وضعت صوراً كبيرة على كل مساحة الصفحتين الأولى والأخيرة، أي بقياس 70سم x 50 سم وتحدثت إحداها عن (العمق الدفاعي العراقي الذي تحول إلى ممر فسيح ومفتوح أمام رفاق هوندا)!! 
قرأت – وهذا أمر لم أكن اتوقعه أبداً – تشفياً يابانياً في المنتخب العراقي، كان قائماً على تذكير اليابانيين بالتعادل مع العراق في تصفيات كأس العالم عام 1993 وكيف تسبب هدف التعادل الذي أحرزه جعفر عمران، في حرمان اليابان من التأهل إلى نهائيات كاس العالم.. حتى أن صحيفة (أساهي) قالت: لماذا اكتفينا بأربعة أهداف، كان يجب أن نفوز بسبعة وهذا هو الحد الأدنى!
ما أوردته الصحيفة كان صحيحاً للغاية، فشباك جلال حسن اهتزت أربع مرات وتدخل حارسنا وأنقذ مرمانا من كرات خطرة عديدة أخرى، لهذا كنت متصالحاً مع ذاتي غاية التصالح حين كتبت رسالتي في ذلك اليوم وقد طغت على سطورها كل معاني الهزيمة من دون أن أرضخ لضغوط اللغة وما تبقى من كرامة (كروية) وهواجس تخفيف الكارثة!