مسلسلاتٌ وألعابٌ إلكترونيَّة تقود مقلّديها إلى السجون

ريبورتاج 2022/07/26
...

   علي غني
أقسمت لي الدكتورة ايمان حسين الاستاذة المتخصصة في الارشاد النفسي  والتوجيه التربوي في كلية التربية ابن رشد في جامعة بغداد، أنها رأت خلال زيارتها البحثية لسجن الاحداث، ثلاثة أولاد بعمر المراهقة استقر بهم المطاف وراء القضبان، بسبب مسلسل "علم دار" التركي، فحاولوا تقليده، فكانت جرائم قتل مروعة قضت على شبابهم، وهذا صديق في الحلة يقتل صديقه بسبب لعبة (البوبجي)، وهذا مشكل جديدة يضاف إلى مشكلات الشباب العراقي، بعد المخدرات، والانتحار، فمن هو المسؤول عما يحدث؟ ولماذا  يحدث التقليد في هذا العمر، وأين غاب الارشاد الايجابي، وما الدافع النفسي وراء ارتكاب هذه الجرائم، ومن ينقذهم من هذه الورطة (الكبرى)، وما موقف القانون منها تساؤلات وجهناها لأهل الاختصاص، عسى أن نجد الحلول لهذه الظواهر الخطرة.
سلوكياتٌ مكتسبة
وأعود للدكتورة ايمان  حسن  الاستاذة المتخصصة  في الارشاد النفسي  والتوجيه التربوي في كلية التربية ابن رشد للعلوم الانسانية، التي تحدثت  من خلال خبرتها البحثية لفترة من الزمن بسجن الاحداث: بأن سلوكيات العنف للأطفال والمراهقين هي سلوكيات مكتسبة من البيئة، إذ إن أغلب الأحداث الذين استقر بهم المطاف وراء القضبان بسبب أساليب التنشئة الأسرية الخاطئة من أولياء الامور بابتعادهم عن رعاية أبنائهم، سواء كانوا أطفالا أو مراهقين، ومراعاة المراحل العمرية وخاصة المراهقة كونها مرحلة خطرة، اذا لم يتم احتواء المراهق من قبل ولي الأمر، وأن يكون له صديق ومرشد وموجه بالوقت نفسه قد يلجأ المراهق إلى البحث عن أبٍ بديلٍ أو أمٍ بديلةٍ خارج الأسرة، قد يكتسب منهم سلوكيات خاطئة قد تصل إلى الاجرام والانحراف.
إذ أصبحت ظاهرة انحراف الأحداث مصدر قلق في مجتمعنا، لأنها تمس فئة عمرية سهلة الانجراف والانحراف نحو العنف والجريمة، كذلك يرتبط العنف بالمشكلات الاقتصادية والبطالة والتغير الاجتماعي، كذلك انعدام الرقابة (على ما اعتقد) على أجهزة الإعلام تتحمل جزءا من المسؤولية في انحراف المراهقين، من خلال الفضائيات ومشاهدتهم لأفلام ومسلسلات  العنف في هذه المرحلة العمرية الحرجة، يقوم المراهق بتقليد النماذج وشخصيات تلك الافلام والمسلسلات كذلك العاب العنف  الالكترونية ومنها لعبة البوبجي.
إذ يشغل وقت الفراغ للمراهقين مشكلة كبيرة اذا لم يستثمر بتوجيه طاقاتهم النفسية والجسمية بالشكل الصحيح إذ قد يؤدي إلى انجراف بعض المراهقين للأنحراف والجنوح، إذ ممكن ان يكون سلوكهم مضادا للمجتمع، اذا لم يستثمر وقت فراغهم الاستثمار الأمثل. 
 
تعاون الجميع
ونحن بدورنا قمنا بندوات وورش عمل توعوية لطلبة الجامعة، لذا يتطلب من جميع المؤسسات الوقوف التعاوني والتضامني لاحتواء المراهقين بصورة عامة والجانحين بصورة خاصة في مدارس الإصلاح والتأهيل لإعادة تأهيلهم تربويا ونفسيا وإحاطتهم بالرعاية والاهتمام، لإعادة زجهم بالحياة الاجتماعية مرة اخرى بشخصيات سوية، بعيدة عن الانحرافات خدمة لذواتهم وخدمة لمجتمعهم ويساهمون في تطويره، من خلال إقامة لهم الدورات التي يشترك بها اصحاب الاختصاص من الجامعات.
 
تحريض على العنف
ونوه المستشار الاعلامي الاستاذ نعيم آل مطلك البديري بأن المشكلة الرئيسة في مسلسلات الجيل الحالي أنها تكثر من العنف، ومن المتعارف عليه أن "العنف الزائد يولد عنفاً والكراهية تولد كراهية"، ومن هنا تأتي الجريمة من مشاهدة بعض الأعمال الدرامية التى تظهر القوة الجسدية فقط. وتابع : أن العنف في مسلسل الاختيار2 ممزوج بالحقيقة علي عكس مسلسلات أخرى تدعو إلى العنف والسيطرة بدون أي داعٍ، والمشكلة الكبيرة هي "التدخين والمخدرات وغيرها والعنف الجسدي هذا يحرض على العنف في المجتمع العربي والانساني"، الكثير في بعض المسلسلات التي يشاهدها الأطفال، و"الالفاظ الخارجة" التي تحمل معاني تفسد الأجيال الناشئة، التي من المقترض أن يتم احتواؤها، ولكن هذا الوضع يهدف لتدميره.
 
كيفية المعالجة
 وقال الباحث الدكتور الحسن خالد السوداني رئيس منظمة رحيق الامل للتنمية: إن ظهور شكل آخر من أشكال العنف الشائعة كالعنف الاسري والعنف المجتمعي، وهو ما يسمى بالعنف الإلكتروني الناجم عن الثورة التكنولوجية ودورها في الحياة الاجتماعية، والحاجة إلى وجود أداة قياس دقيقة لقياس اتجاهات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي نحو ظاهرة العنف الالكتروني (العاب البوبجي)، بحيث تتفق ومعايير القياس الموضوعي،  وهذا ما يولد لنا ضرورة تسليط الضوء على هذه النوع من العنف والذهاب إلى إعداد مقياس موضوعي، يقيس اتجاهات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي نحو العنف الالكتروني، وكيفية وقوع الضحية في فخ هذا العنف وكيفية المعالجة لهذه الظاهرة، اذ نسعى إلى معالجة الكثير من القضايا التربوية والنفسية بشكل أكثر فاعلية.
 
العنف الالكتروني
واعود للباحث (الدكتور الحسن)، بأن تعريف العنف بصورة عامة، هو أي سلوك موجه بهدف إيذاء شخص أو أشخاص آخرين لا يرغبون في ذلك، ويحاولون تفاديه، اما العنف الإلكتروني: هو العنف الذي يحدث على شبكة الانترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي او غيرها، وباستخدام أسماء مستعارة في أغلب الأحيان، وليس وجها لوجه.
الاتجاه نحو العنف الالكتروني: حالة من الاستعداد العقلي الانفعالي للسلوك إيجاباً أو سلباً نحو العنف الإلكتروني.
اقترن تاريخ الألعاب الألكترونية (electronic games) بالتطورات الكبيرة التي عرفتها صناعة الحواسيب منذ الأجيال الأولى لهذه الوسائط، حيث اعتمدت هذه الألعاب على الامكانات البرمجية المتوفرة في محاكاة الواقع الحقيقي والافتراضي بعناصره ومؤثراته المختلفة، مما فتح مجالات تفاعلية واسعة امام انسان هذا العصر للتعليم والترفيه والتسلية، وهو ما دفع الشركات المختصة إلى تطوير اجهزة وبرمجيات هذه الألعاب، من أجل الرقي بالوعي الثقافي والاجتماعي للمستخدمين، ولكن هذا التطور في وسائل الاستخدام وتقنيات التحكم الملحقة بها أدى في الوقت نفسه إلى نشأة عالم جديد متخيل يقوم على العنف والعدوانية.
وتعد الألعاب الالتكرونية الخطرة جزءًا لا يتجزأ من العنف الالكتروني، اذ لا أحد يستطيع أن ينكر قوة تأثير ألعاب الفيديو والألعاب الالكترونية خاصة على الأطفال والشباب والمراهقين، وظهرت ألعاب الفيديو قبل ما يقارب 30 عاماً، وكانت حينها وسيلة تسلية بسيطة جداً تعتمد على الرسوم المتحركة، إلا أنها حققت نجاحاً كبيراً بسبب قدرتها على الترفيه والتسلية.
 
سلوكٌ عدواني
وتابع السوداني: ومع تقدم السنوات تطورت هذه الألعاب بشكل سريع جداً وإلى مستوى هائل من التطور التقني، وأصبحت أقرب إلى العالم الحقيقي، بسبب المحاكاة والتفاعل والتأثير البصري والصوتي والحركي، إضافة إلى ذلك تنوع الألعاب المطروحة التي جذبت الكثيرين إليها لدرجة الإدمان، وتسببت العديد من الألعاب بضرر كبير نفسي، فمنها ما هو مستوحى من الصراعات والحروب لتترك أثراً نفسياً وسلوكاً عدوانياً سيئاً عند الأطفال والمراهقين. 
وهناك بعض الآثار أو الأضرار السلبية التي  تتولد من الألعاب الألكترونية، ومنها ما يترك أثراً سلوكياً عدوانياً وتحرض على العنف، وكذلك الادمان، إضافة إلى اجهاد العينين، وكذلك التسبب بمرض التوحد لدى الاطفال تحديداً، اذ تعتمد بعض الألعاب الإلكترونية على العنف والممارسات العدوانية الأقرب إلى الواقع الافتراضي، وقد يؤثر هذا الجانب في الشخص، الذي يدمن هذه الألعاب، خاصة الأطفال ويكون لديهم أثر نفسي سيئ وينمو لديهم حس العدوانية وأعمال العنف.
 
الأمن الاجتماعي
وأسأل الدكتور الحسن، ما هو موقف القانون منها، وكيف تعامل معها المشرّع العراقي، وكيف نحد منها؟، فأجاب: أصدر مجلس النواب العراقي قراراً برلمانياً في العام (2019) بحجب الألعاب الالكترونية التي تحرض على العنف، وقد حدد البرلمان هذه الألعاب (البوبجي، الفورتنايت، الحوت الأزرق)، وغيرها من الألعاب الالكترونية المماثلة لها التي تحرض على العنف، واستناداً لأحكام المادة (59) من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 ولما تشكله بعض الألعاب الالكترونية من آثار سلبية في صحة وثقافة  وأمن المجتمع العراقي،  ومن ضمنها التهديد الاجتماعي والأخلاقي لفئات الشباب والفتيات وطلاب المدارس والجامعات، وتأثيرها السلبي في المستوى التربوي والتعليمي.
فقد أوصت لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب بحظر وحجب كل ما يتعلق بممارسة هذه الألعاب الالكترونية والمتاجرة بها، ومنها لعبة "البوبجي والفورتنايت والحوت الأزرق"، أو الألعاب السائدة أو المماثلة لها، كونها تهدد الأمن الاجتماعي والأخلاقي والتربوي والتعليمي على جميع شرائح المجتمع حسب بيان مجلس النواب، وان القرار البرلماني نص على الطلب من الحكومة حظر وحجب كل ما يتعلق بممارسة هذه الألعاب الالكترونية أو المتاجرة بها وتوجيه وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات، لغرض اتخاذ الإجراءات الفنية الملائمة  لتنفيذ القرار. 
وقد صدر القرار البرلماني بالإجماع وأنَّ حجب الألعاب الالكترونية المحرضة على العنف والقتال ينسجم مع القواعد الأخلاقية. وقد صدر القرار البرلماني، وفقاً لأحكام الدستور النافذ لعام 2005 ووفقاً لصلاحياته الدستورية، وأنَّ تنفيذ القرار يحتاج إلى تعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكي يكون القرار نافذ السريان على أرض الواقع.
 
تشديد الرقابة
وأوصت اللجان المشكلة في مجلس النواب بمتابعة الجهات الحكومية والرسمية جميع الالعاب الالكترونية الحديثة الدخيلة على المجتمع وتصنيفها وتقيمها، هل هي مناسبة للفئات العمرية داخل المجتمع أم أنها محرضة على العنف والعدوان بين الافراد، وكذلك تشديد الرقابة على ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من ألعاب الفيديو والألعاب الالكترونية ومحاسبة المروجين لها، والعمل على توصيات قانونية من قبل الجهات المختصة لمعالجة العنف الالكتروني وما يتفرع منه.
وواصل حديثه: كذلك لا بدَّ من الإشاره إلى بعض الحلول والمعالجات المناسبة لتفادي ما يسمى بتضيق الحرية على الأفراد وحرياتهم، ومنها العمل على التوعية على الألعاب، التي تحمل طابع العنف وبث روح العنف داخل الافراد وكيفيها تجنبها، وإشغال الفئات المستهدفة بهذه الالعاب بأمور توعوية ترفيهيه وتوفير وسائل اخرى لممارسة هواياتهم ودعمهم من قبل الجهات المختصة، من أجل الاستفادة من طاقاتهم بشكل ايجابي.
انشاء ألعاب الكترونية حديثة ذات طابع هادف وتوعوي لفئات الاطفال والشباب، وانشاء برامج وألعاب الفيديو، تتكلم مثلا عن التعريف بتاريخ العراق منذ القدم إلى الوقت الحالي، أو مثلا التعريف بالدين والاسلام والتعريف بأهل البيت (عليهم السلام)، وأي موضوع آخر يدخل ضمن قبيل هذه المواضيع وجعلها ألعاباً فيديوية.