حرب المياه والحقوق الغائبة

الرياضة 2022/07/27
...

علي حسن الفواز
 
وسطَ حروبٍ مفتوحة يتناسى الكثيرون الحربَ المقبلة للمياه، أو بمعنى أدق، حربَ السدود، التي تحولتْ إلى ظاهرةٍ اختلط فيها العسكري بالاقتصادي والأمني، من دون النظر إلى الخطورةِ الإنسانية لتوظيف  المياه في تلك الحروب، وعلى نحوٍ يتكرّس فيه قيام دول منابع تلك المياه إلى مايشبه احتكارها، بعيدا عن حقوقِ الدول المتشاطئة، أو دول المصبّ كما تُسمّى في القانون الدولي.
حرب "سد النهضة" بين أثيوبيا بوصفها بلدَ المنبع، والسودان ومصر بوصفهما دولا للمصبّ، تحمل معها أسئلةً كثيرة حول مايمكن أنْ يتحقق من المصالح، ولمواجهة السياقات القانونية التي تستدعي معالجة المشكلات الناجمة، والبحث عن رؤى مشتركة، وعن حلول فنية، أو إجراء مفاوضات واقعية تُرعى فيها التوازنات، من دون اللجوء إلى سياسة الاحتكار، والاستئثار بحصص تتجاوز الحقوق الموصوفة في القانون الدولي، أو في الاتفاقات البينية بين الدول.
مشكلة "سد النهضة" الأثيوبي، وخطورة ماتحمله من نُذرٍ صراعية، ليست بعيدة عن مشكلة "السدود التركية" التي تفرضها الحكومة التركية كأمرٍ واقع على الخطوط المتشاطئة مع دول المصبّ في العراق وسوريا، وهذا مايجعل السياسة المائية التركية ذات أبعاد استحواذية من جانب، أو أنها تحمل أهدافاً سياسية من جانب آخر.
البحثُ عن حلول واقعية، يحتاج إلى "دبلوماسية المياه" وعلى وفق مرجعيات معروفة ومُقَرّة في النظام الدولي، ومن دون اللجوء إلى إجراءات عقابية، أو التهديد بحروب ستضيع معها حقوق الجميع، فضلا عن تداعياتها الإقليمية والدولية، وبما تنطوي عليه من نزاعات من الصعب السيطرة عليها.
دبلوماسية المياه، هي الدبلوماسية الغائبة، التي تهدف إلى تأطير علاقات الدول باتفاقيات تكفل حقوقها، ومراعاة مصالحها، وعبر تضمين الاتفاقيات شروطا تنتظم من خلالها الكفاية المائية، وتُمنع الاستخدامات غير الشرعية، ومنها ملء السدود، أو التوظيف بقصد إنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية دون التنسيق مع دول المصبّ. عدم حسمِ ملفِ سدّ النهضة، وملف السدود التركية سيكون مدعاةً للتدخل الدولي، أو لتحويلها إلى نزاعات مفتوحة على احتمالات متعددة، وهو مايدفع الدول المتضررة إلى اللجوء نحو المرجعيات الدولية لاتخاذ الإجراءات المناسبة، أو لفرض عقوبات على دول المنبع، لأن تعطيل دبلوماسية المياه يعني تسويغ الحديث عن خياراتِ الحرب، أو ربما السماح بتدخلاتٍ من الدول الكبرى، التي ستكون حتما بحسب مصالح تلك الدول وعلاقتها ومصالحها.