القصَّة القصيرة جداً.. أشكالها وإشكالها ملحق "الصباح" الثقافي

ثقافة 2022/07/27
...

جودت جالي 
لقد مضى على ظهور القصة القصيرة جدًا كفنٍّ بمواصفات يراها النقاد مستوفية لشروطها فترة ربما قدرها البعض بمئة عامٍ ولكنها بمختلف صيغها وتسمياتها ما زالت تعاني من مشكلات الهويَّة التي تمنحها كيانها الخاص مستقلةً عن شقيقتها الكبرى القصة القصيرة،
إذ إنَّ تخبط النماذج بين الخبريَّة والحكميَّة والسرديَّة الساذجة (أو المبتذلة) حتى في نماذج لكتاب كبار عدّوها أو عدّها من اختارها قصصًا ليضمها الى مختارات متخذًا من اسم الكاتب مسوغًا، ونضيف الى ما ذكرنا إدراج نماذج لا توافق تصورنا عن القصة القصيرة جدًا وكيف يجب أنْ تكون شكلًا ومضمونًا، وطولًا. ربما كان كتاب (sudden fiction 60 short stories international ) من هذه الزاوية مادة صالحة للتأمل، لا يوجد للعنوان مقابلٌ مناسبٌ لذائقتنا الاصطلاحيَّة ويعني عمومًا القصة السريعة أو الفجائيَّة وهذا المعنى لا ينطبق على كثيرٍ من نماذجه، كما أنَّ المؤلفَيْن لم يحاولوا تسويغ التسمية في مقدمتهما مع ملاحظة أنَّ fiction تعني في الأصل التخيل ولكنها أصبحت تستخدم في هذا المجال لتعني القصة تحديداً.
على كل حال تبدأ المختارات بقصَّة جميلة جدًا هي (الفتاة الساقطة) من سطح ناطحة سحاب وما تراه أثناء سقوطها نحو الأرض من خلال نوافذ الشقق، والقصة للإيطالي دينو بوتساتي (مؤلف صحراء التتر) ولكنْ لا أدري كيف يمكن عد قصة تبلغ أربع صفحات تقريبًا من ضمن (sudden fiction)، لا بل أنَّ القصة الختاميَّة تضعك في حالة من الإستغراب إزاء خيارات مؤلفي المختارات وهم من الكتاب المعروفين (روبيرت شابارد وجيمس توماس وكاتب المقدمة القاص تشارلس باكستر). إن بول ثيرو كاتب أميركي متمكن ولكن اختيار نص جاف لا أظنه كتبه إلا بدافع الرغبة في المغايرة المزاجيَّة ليس هو النص المناسب لتمثيله. النص عنوانه (شكر وتقدير) في ثلاث صفحات ونصف وهو مطابق تماما للذي يضعه المؤلفون في بدايَّة كتبهم موجها الشكر على سبيل الإمتنان والعرفان الى المؤسسات والأفراد الذين ساعدوا المؤلف في إنجاز بحث أو كتاب، وقد دققت في النص فلم أجد مسوغا فنيا أو استثمارا إبداعيا، اللهم إلا السخريَّة من هذا التقليد بكتابة نموذج مطول محشو بالأسماء، ولكنه ليس قصة بالتأكيد وليس قصة قصيرة جدا على الأقل، سريعة كانت أو فجائيَّة. لكن قصة سبقتها في التسلسل أقرب كثيرا لفن القصة القصيرة جدا للكاتبة آن بيتي (الثلج) تستعيد ذكرى شتاء قضته مع عشيقها، أما قصة (انفجار في غرفة الإستقبال) للصيني باي جياو-يي فمن قصص هذه المختارات التي ينطبق عليها وصف القصة القصيرة جدا وشروطها حسب الرأي الغالب وتبلغ أقل من صفحة تتحدث فيها عن حادثة عاديَّة هي سقوط إناء شاي على الأرض وتحطمه عندما كان رجل وابنته ضيفين على صديق وكيف جعل الأب الحادث مصدرا لتصرف حكيم، وقصة طريفة، أقل من صفحتين، و(أذن العاشق) للتايواني يوان تشيونغ-تشيونغ عن رجل يطلب من حبيبته أن تنظف له أذنه بعود التنظيف في مكان عام ملتذا بذلك ولكن هذا يتسبب في افتراقهما الى الأبد. 
لا يمكننا التطرق الى كل القصص وتصنيفها، وهي لكتاب من مختلف أنحاء العالم متفاوتة المستويات وأرجح أن بعضها كتبها مؤلفوها خاطرة خطرت لهم أو حكايَّة بسيطة (الجرة الزرقاء قصة اسحاق دنيسن) أو ذكرى خلوة بين الكاتبة المجربة جنسيا وفتى غر أصغر منها (الولد قصة جويس كارول أوتيس) ولجأوا الى القلم لتسجيلها بحكم العادة واكتسبت أهميتها من أسماء كاتبيها. إننا بالتجربة والإطلاع على الإصدارات الأجنبيَّة نحصل على قناعة بأن عمل المختارات يخضع في كل مكان، وليس في البلدان غير المتطورة في تقاليد النشر فقط، الى مزاجيَّة المحرر في اختيار النص من بين نصوص كاتب وتفضيله كاتب على كاتب واختياره كاتبا دون كاتب إضافة الى ما ذكرنا أعلاه.