ذكريات الجواهري.. صفحاتٌ تعصفُ بالشعرِ والحياة

ثقافة 2022/12/28
...

   كاظم غيلان

يكشف محمد مهدي الجواهري وفي جزأين من  ذكرياته كل ما عصف بحياته من مرارات وملذات وصراعات، وبدقة لربما يحسد عليها، اذا ما علمنا بأنه سجلها في سنوات عمره الأخيرة وكما ثبت بمقدمتها دمشق 1988.  

ظلت حياة الجواهري كواحد من أبرز شعراء العربيَّة بعد المتنبي، مثار جدل فني وسياسي، وهذا ما يتعرّض له معظم أعلام الفكر والفلسفة والأدب والفن، ولربما تكشف بعض هذا ما جاء في المقدمة التي وضعها الناقد حسن ناظم وزير الثقافة السابق كونها صدرت عن دار الشؤون الثقافيَّة العامة 2022، اذ يورد ثلاثة آراء لأسماء بارزة تباينت بخصوص هذه التجربة العملاقة، فبحسب جبرا ابراهيم جبرا: "في محنته بين الحاكم والمدينة، دائم الانتصار للمدينة ضد الحاكم"، وعلى نقيض ذلك يرى المفكر هادي العلوي بشخصية الجواهري: "ضعيف في حضرة السلطة" وللشاعر فوزي كريم رأي آخر إذ يقول: "لا حكمة لدى الجواهري، ولا نكهة أرضيَّة، ولا سعي للبحث عن الحقيقة، حتى لو كانت متوهّمة، إنَّه عميق الافتتان بالصراع المصوت في داخله" ص9- ج1.

لا يمكننا الاتفاق او الاختلاف مع ماورد من الآراء هذه إلّا بنهاية قراءة جزئي الذكريّات كاملة. 

في الجزء الأول وحيث تبدأ الاشياء، تبدأ حياة الجواهري وهو يشير،عن طبيعتها بالقول: "أريد أن أكتب ببساطة، بلا تقعر، ولا تصنّع، ولا تفصح" فيصف تلك البداية : - هنا ولدت - ليصف النجف مدينة، تضاريس، تفاصيل لكل زاوية فيها بدءاً من دارة العائلة منهيَّاً هذا الجزء "من المجلس الى الوثبة" فصول مشحونة بتناقضات ومغامرات وأسفار، وحب، وهج الشعر منذ بدايات الموهبة ومجالس النجف الأدبيَّة الى محافل الشعر الكبرى عربيا وعالميا.

فضلا عن خوض تجربته في الصحافة وجريدته (الرأي العام)، كما يورد قصص بعض قصائده الشهيرة: "طرطرا، يا دجلة الخير، قف بالمعرة، أخي جعفر، آمنت بالحسين". 

علاقة الجواهري بالسلطة إبّان حقبة ذلك العهد الملكي تفصح عن متانتها تفصح عنها وجوده ببلاط المملكة شاغلا لأكثر من منصب او نائب، لكن ذلك كله لا يعني خلو تلك العلاقة لتصدعات وصدامات كنتيجة حتميَّة لنسق العلاقة بين الشاعر والسلطة، إذ لا يمكن لها أن تكون مستقرة على الدوام كناتج لحساسيته الداخلية التي لا تنسجم مع عالم تسوده الوشايات والمؤامرات.

أما الجزء الثاني من الذكريَّات فيبدأ من عودته من لندن نائبا برلمانيا بالتزكية فوثبة كانون وتصاعد وتيرة النشاطات الحزبيَّة لا سيما المؤتلفة لأجل إسقاط النظام الملكي وبداية حكم جمهوري، وقد شهدت حياته خلاله فصولا جديدة شديدة الصراعات لا سيما مع عبد الكريم قاسم برغم ما حظي به من حفاوة وتقدير نادرين، كما وشهدت الفترة هذه دخوله معتركا مهنيا ثقافيا جديدا، إذ رأس أول اتحاد أدباء للعراق وأول نقابة للصحفيين العراقيين.

وإن بدأت علاقته حسنة مع قاسم فقد انتهت بذلك التشفّي الصريح والذي يورده 

في ص381: 

"في صبيحة الثامن من شباط كان السيد عزيز الحاج يتصل بي ليفاجئني بأنّه قد انتهى كل شيء وقبل أن يتم كلمة مصرع عبد الكريم وبكل اندفاع وجدتني أقول له وكلمتي تختلط بكلمته" بشّرك الله بالخير سأسرج الشموع".

وبرغم هذا التشفّي بمصرع قاسم ونهاية حكمه إلا أنّه سرعان ما راح يسهم بتأسيس حركة الدفاع عن الشعب العراقي الى جانب شخصيات وطنيّة بارزة كفيصل السامر، جلال الطالباني، ذو النون ايوب، نوري عبد الرزاق، والفنان محمود صبري والتي اخذت على عاتقها فضح ما ارتكبه نظام البعث من مجازر وانتهاكات بحق العراقيين عالميا، وتأليب الرأي العام تجاه ذلك النظام.

الجواهري ولا غيره يكتب عمّا يتعرّض له في حياته كإنسان يُخطئ ويندم ويعترف: "ولم أكن لا بمتعظ من الماضي وأتريث قليلا في الخطوة بعد الاخرى، وأنا الذي دفعت ثمن العفوية والارتجال 

والبراءة والتعجّل، ما لا يستطيع غيري أن يتحمّله" ص313/ج2.