نانسي عجرم بـ {حبك سفاح} أنموذجاً

ثقافة 2022/12/28
...

 غفران حداد


للأغنية العاطفية أثر كبير في الشعوب، خصوصاً جيل المراهقين، فهي تخلق لنا الشعور بحالة حب حقيقية ومزاج عالٍ وإن لم يكن في حياتنا شريك عاطفي.مؤخراً طرحت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم أغنية بعنوان "علشانك" واشتهرت بين الجمهور اللبناني والعالم العربي باسم "حبك سفاح"وبصراحة حين استمعت للأغنية أول مرة  شعرت بالفزع وكلماتها أعادت لذاكرتي قصة قتل الطالبة المصرية نيرة أشرف التي ذبحت على يد من يدعي عشقها، بسكين حادة أمام الحرم الجامعي وأثارت القضية إلى اليوم جدلا واسعا في الشارع المصري والعربي على حد سواء. وعلى الرغم من طريقة أداء عجرم بدلعها المعهود وتصوير الفيديو كليب بقالب هندي من ملابس وألوان وموسيقى راقصة وملونة، لكن مفردات الأغنية تروج للعنف بشكل أو بآخر.


تقول عجرم فيها:

 علشانك ممكن أخبّط أو أزعق أو أكسّر

علشانك أهد الدنيا حبيبي بس أنت تأشّر

علشانك آه، آه، آه

علشانك ممكن أعيش أسبوع ما باكلش ولا أشرب

علشانك ممكن أسافر وأتشحطط وأتغرّب

علشانك ممكن أنام في الثلج عشان تدّفا

حبك سفاح، مجرم وماسك لي سلاح. تتكرر أغاني المطربات العربيات وعلى مر الأجيال في طرح أغانٍ تعمق السيطرة الذكورية والقرارات الدونية لما يعكس من الإطار والبيئة الاجتماعية التي تربينا عليها في عالمنا العربي ما يؤدي إلى خلق بيئة حاضنة للعنف لدى بعض الذكور، تؤدي بهم إلى اتخاذ قرارات  بحق المرأة يعاقب عليها الشرع والقانون. وإذا كانت الفنانة في عالمنا العربي مثل نانسي عجرم وهي التي لديها قاعدة جماهيرية واسعة لا تنحاز لبنات جنسها وتدافع عن حقوقهن، بل تروج للغة العنف والتملك والقتل باسم الحب فمن سينحاز إذن؟.


دعوة إلى التحرش

ومن النماذج المؤلمة التي طرحت في الساحة الفنية أيضاً ولكن هذه المرة تدعو إلى التحرش لا لتشجيع لغة التهديد والوعيد، كانت أغنية الفنانة اللبنانية مايا دياب في ديو (حطالي روج) وشاركها الغناء محمود الليثي وهي تقول: (عاكسني آه بس تعاكس بالراحة، انا عايزة اكون مرتاحة، ده الشوق تعبني في قلبي والشوق قادر).

 هذه المفردات المرادفة للتحرش اللفظي، لو يستمع إليها المراهق اليوم، حين تتصدى له معشوقته، سيظن أنها تطلب المزيد من التحرش وسماع مفردات حب التملك وحتى التهديد والوعيد، فربما بنظره هذا الحب الذي تحتاجه لكي ترضي غرورها وكبرياءها، مثلما ظن قاتل نيرة أشرف، أن الملاحقة الدائمة لمن يحب ستجعلها تضعف أمامه وتعود له، هل هذا الحب الذي يجب أن يسمعه جيل الثورة الرقمية في أغاني الحب اليوم؟.

وهنالك الكثير من الأغاني المسيئة لكبرياء واستقلالية المرأة وأكثرها شهرة التي غنتها نجوى كرم وهي تقول في أغنية (لشحد حبك):

انا لشحد حبك من عند الله شحادة 

انا لعبد حبك من بعد الله عبادة. 

هل توجد نصوص رومانسية فيها طمس لكيان المرأة وإلغاء إرادتها مثل هذه النصوص؟.

لماذا نسمح بتقديم المزيد من غرس الأفكار الدونية عن المرأة؟

لماذا لا يستغل النجم العربي حب الجمهور في دعم قضايا عادلة للمرأة العربية اليوم؟.

بدلا من ترسيخ المزيد من قيود التملك الذكورية، وبدلا من تشجيع البعض ممن لديه القدرة على التعنيف النفسي 

والجسدي.


تجارب غنائيَّة رجاليَّة

من الأغاني التي روجت للعنف ضد المرأة كانت أغنية "سالمونيلا" لتميم يونس، هذه الأغنية استفزت الجمهور بشكل كبير وهي تحريض واضح على العنف ضد المرأة، وقد طالب الجمهور المصري المجلس القومي للمرأة في مصر بوقفها، وكانت قوة "السوشيال ميديا" قد ساعدت في  إيقافها، إذ وضعت إدارة فيسبوك تنبيها على أغنية "سالمونيلا" بأنها قد تحمل محتوى "قاسياً"، إلا أنها تخطت 11 مليون مشاهدة في 

أسبوعين.


موضوع الأغنية 

وتتحدث الأغنية عن تعامل شاب مع حالة الرفض التي قد يواجهها من قبل فتاة، والأسلوب الذي سيتصرف وفقه في حال رفضته حبيبته بالفعل، فيقول أحد أبيات الأغنية  "عشان تبقي تقولي لا"، فجاء بشكل اعتبرته النساء إهانة لهن.  أيضاً من الأصوات الرجالية التي قدمت أغاني أغضبت المرأة العربية ومختلف المدافعات عن حقوق المرأة كان صوت مدحت صالح في أغنية  "تعرفي تسكتي"  بعد قوله "تعرفي تسكتي ولا أسكتك ولا أنت الحالة خلاص مسكتك"، واختيار كلمات مستفزة  مثل “مش عايز اه أسمعلك حس” وأيضا “ده لسان بجد ولا سلاح”.

مع كل الأسف  لم تتبنَ يوماً المغنيات العربيات مشكلات المرأة في أعمالهن الغنائية، ولم يظهرن يوماً اهتماماً  بقضايا العنف الأسري، وجاءت معظم الأغاني بين الحاجة للحب والحنان وبين الخضوع والترويج للعنف.


لجنة نصوص غنائيَّة

أتمنى لو تكون هنالك مراقبة نصوص في كل دولة عربية مثل أيام زمان، حين كانت النصوص الغنائية تمر بلجان فنية قبل الموافقة على أدائها، وإلا سنستمع قصصاً جديدة من ضحايا الحب والرومانسية والعنف المنزلي باسم الحب والتملك.