فرجينيا وولف تُعِيدُ اكتشاف الأفكار المهملة

ثقافة 2022/12/29
...

 عدوية الهلالي



ولدت فيرجينيا وولف في لندن: كان والدها مؤلفًا مشهورًا ومتسلق جبال، ووالدتها عارضة أزياء شهيرة. استضافت أسرتها العديد من الأعضاء الأكثر نفوذاً وأهمية في المجتمع الأدبي الفيكتوري. وكانت وولف ساخرة إلى حدٍّ كبيرٍ من هذه الشخصيات العظيمة، متهمّة إيَّاهم بالغرور وضيق الأفق. لم يُسمح لـوولف وشقيقتها بالذهاب إلى كامبريدج مثل إخوتهن.

بعد وفاة والدتها وعندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، عانت وولف من أول سلسلة من الانهيارات العقليَّة التي كان من المفترض أن تُبتلى بها لبقية حياتها - ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاعتداء الجنسي الذي تعرّضت له على يد شقيقها غير الشقيق جورج داكويرث.

وعلى الرغم من مرضها، أصبحت صحفيَّة ثم روائيَّة - وشخصية مركزيَّة في مجموعة بلومزبري، والتي تضمنت جون ماينارد كينز وإي إم فورستر وليتون ستراشي. تزوّجت من أحد أعضائها وهو الكاتب والصحفي ليونارد وولف. اشترت هي وليونارد مطبعة يدويَّة صغيرة، ونشرا كتبًا من غرفة طعامهما. لقد قاما بطبع روايات وولف الراديكاليَّة والمقالات السياسيَّة عندما لم يفعل ذلك أحد؛ وأنتجا أول نسخة إنجليزية كاملة من أعمال فرويد. وفي غضون أربع سنوات قصيرة فقط بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، كتبت وولف أربعة من أشهر أعمالها (السيدة دالاواي، السنوات، الأمواج، سيرة اورلاندو) وغيرها من الأعمال المهمة. وفي آذار عام 1941، وعندما شعرت ببداية نوبة أخرى من المرض العقلي، أغرقت نفسها في نهر أوس.

كانت وولف واحدة من أعظم المتابعين للأدب الإنجليزي. وربما كانت أفضل قطعة نثر قصيرة كتبتها على الإطلاق هي مقالها «موت الفراشة»، الذي نُشر عام 1942. وهو يحتوي على ملاحظاتها وهي تجلس في مكتبها وهي تشاهد فراشة متواضعة محاصرة بلوح من الزجاج. إذ نادرًا ما كان يتم إخراج الكثير من الأفكار العميقة من مثل هذا المواقف البسيطة على ما يبدو (أما بالنسبة لوولف، فلم تكن هنالك أشياء أعمق من المواقف البسيطة).

لاحظت وولف كل ما كان الآخرون يميلون إلى تجاوزه كالسماء، والألم في عيون الآخرين، وألعاب الأطفال، ومتاعب الزوجات، ومتعة المتاجر الكبرى... وربما يتحدث الكتاب عن هذه الأفكار بشكل عام، لكن وولف تلتقطها بشكل مميز لدرجة أن أحد النقاد قال عنها: «في عمل كاتب عبقري، نعيد اكتشاف أفكارنا المهملة».

كانت هذه هي مهمة وولف التي حاولت طوال حياتها التأكد من أنَّ اللغة ستؤدي عملاً أفضل في تحديد من نحن حقًا، مع كل نقاط الضعف والارتباك والأحاسيس الجسديَّة لدينا. لقد رفعت وولف حساسيتها إلى أعلى أشكال الفن. وكانت لديها الثقة والجديَّة في استخدام التفاصيل الحسيَّة لحياتها - كأساس لأكبر الأفكار.

كانت وولف دائمًا عميقة، لكنَّها لم تَخَفْ أبدًا مما يسميه الآخرون تافهًا. كانت واثقة من أن طموحات عقلها - حب الجمال والانخراط في الأفكار الكبيرة - كانت متوافقة تمامًا مع الاهتمام بالتسوق والكعك والقبعات، وهي موضوعات تكتب عنها ببلاغة وعمق فريد من نوعه تقريبًا.

وفي كتابها المناهض للحرب (ثلاث غينيين)، جادلت وولف بأنّنا لن ننهي الحرب أبدًا إلّا من خلال إعادة التفكير في عادة تأليب جنس ضد جنس آخر. كما أرادت وولف بشدة رفع مكانة المرأة في مجتمعها. وأدركت أن المشكلة تعود إلى حدٍّ كبيرٍ إلى المال. فلم يكن لدى النساء الحرية، وخاصة حرية الروح، لأنهن لم يتحكمن في دخلهن الخاص: «لطالما كانت المرأة فقيرة، ليس منذ مئتي عام فقط، ولكن منذ بداية الزمان. وتتمتع النساء بحرية فكرية أقل من أبناء العبيد الأثينيين. فلم يكن لدى النساء الحق في كتابة الشعر.

لقد توجت وولف الصرخة النسويَّة العظيمة بمطلب سياسي محدد: فمن أجل المساواة الفكرية مع الرجال، احتاجت النساء ليس إلى الكرامة فقط، ولكن أيضًا الى حقوق متساوية في التعليم، والى دخل جيد في السنة. وربما كانت وولف أفضل كاتبة في اللغة الإنجليزية لوصف عقولنا من دون استخدام مصطلحات علم النفس الإكلينيكي. فكتبها تشبه كتب الجيل الذي سبقها من الفيكتوريين، ورواياتها تركز على التفاصيل الخارجية: مشاهد المدينة، والزيجات، والوصايا، وتصورت وولف شكلاً جديدًا للتعبير يركز بدلاً من ذلك على الشعور الداخلي بمعرفة أنفسنا

والآخرين.