{ثنائيات السينما} بين المهنيَّة والعلاقة الشخصيَّة

ثقافة 2023/01/02
...

  حميدة العربي
تلعب العلاقات الشخصية دوراً مهماً في مسيرة أي فنان، فلا تكفي الشروط الأساسية كالموهبة والعلم والذكاء وغيرها في إيجاد الفرص التي يصبو إليها الفنان وأحياناً تكون العلاقات مؤثرة وحاسمة أكثر من بقية الشروط. ويرتبط الجانب المهني بمدى قوة العلاقة الشخصية ونوعها فالكثير من التجارب المهنية انتهت بنهاية الارتباط الاجتماعي أو العاطفي، بينما تبقى وتدوم تلك التي أساسها الصداقة، ومن أشهر الثنائيات العربية ليلى مراد وأنور وجدي، الذي دخل الإنتاج بفيلم  "ليلى بنت الفقراء" للمخرج كمال سليم واختار ليلى بطلة أمامه.


 

لكن بعد الرحيل المفاجئ للمخرج قرر وجدي أن يخرج الفيلم بنفسه، وفي نهاية التصوير أعلن ارتباطه بليلى وكان مشهد زفاف البطلين هو زفافهما الحقيقي. ورغم أنها وضعت عليه، كمنتج، شروطاً صعبة مثل حصولها على أعلى أجر والعمل مع شركات أخرى، لكنه أنتج وأخرج وكتب لها مجموعة من الأفلام البعض منها يحمل اسمها، في سابقة لم تحصل عليها فنانة غيرها، مثل "ليلى بنت الفقراء"، و"ليلى بنت الأغنياء"، و "عنبر"، و "غزل البنات"، و"حبيب الروح"، و"قلبي دليلي". وتميزت أفلامهما بالاستعراضات الضخمة والديكورات الفخمة والأزياء الجميلة، كما غيّر وجدي صورة ليلى مراد السينمائية من الجدية والتزمت، إلى المرح والاستعراض، فكانت النتيجة إرثا فنياً جميلاً، يعد من أجمل كلاسيكيات السينما العربية، لكن بسبب تعارض المصالح انتهى هذا التعاون الفني بالقطيعة النهائية، عقب انفصالهما لثلاث

مرات.

وقدمت السينما الهندية في عصرها الذهبي، ثنائياً رائعاً بين راج كابور ونرجس، إذ شاركا معاً في 16 فيلماً أشهرها: "المتشرد"، و "بارسات"، و"النار"، و"السيد 420"، و"انداز"، بعضها كان من إنتاج شركة كابور نفسه، لكن ما حدث بينهما على صعيد الواقع تراجيدياً نوع آخر، إذ عشقا بعضهما بقوة، على الرغم من كون كابور متزوجاً ولديه أبناء، فقد أخبرها أنه على وشك الانفصال عن زوجته. وكانا يظهران معاً في أغلب المناسبات، وصارت قصتهما حديث الإعلام والناس، عرفت زوجته بالأمر، فغادرت البيت مع الأولاد. بعد إكمال تصوير فيلم "چوري" (سرقة)، عقد كابور ونرجس وبقية العاملين، مؤتمراً صحفياً للتحدث عن الفيلم، فسأله صحفي سؤال بشأن علاقته مع نرجس، وهل هناك موعد محدد لزواجهما، رد كابور: "أقولها بصراحة لا توجد قصة حب بيننا، ونحن أصدقاء فقط، وما حصل كان مجرد دعاية للفيلم!" أصيبت نرجس بالذهول حين اكتشفت أن كابور كذب عليها واستغل مشاعرها لأغراض دعائية، وغادرت دون رجعة. وهكذا انتهت تلك المسيرة الثنائية المثمرة، التي استمرت لثماني سنوات، بعدها تعرضت نرجس لانهيار عصبي، ودخلت في اكتئاب حاد لفترة طويلة، حتى أقنعها المخرج محبوب خان ببطولة فيلم "أم الهند" مع سونيل دوت، الذي أنقذها من الحريق، خلال التصوير، فتعرض لحروق بليغة دخل على إثرها المستشفى، وظلت نرجس تلازمه وتعتني به، ما ساعدها على التخلص من اكتئابها تدريجياً، وتطورت العلاقة إلى حب توج بالزواج بعد انتهاء التصوير بفترة. بعدها بسنتين، أعلنت نرجس اعتزالها التمثيل. وعند رحيلها في العام 1981 لم يحضر كابور التشييع، لكنه كان مختبئاً في مكان ما، يراقب الموكب من بعيد، فقد جاء ليودع نصفه الثاني على الشاشة الفضية، ولو 

خلسة.

 ثنائي السينما الإيطالية الذهبي صوفيا لورين ومارتشيللو ماستروياني اعتبره الإيطاليون السمة المميزة والحقيقية لـمقولة «صنع في إيطاليا» جمع بينهما سحر مشترك جعل منهما رمزاً للهوية الإيطالية في العالم وبلغا ذروة التألق والغنى الفني من خلال صداقة عظيمة، اجتماعية مهنية، بدأت مع فيلم (قلوب على البحر) عام 1954 واستمرت طوال العمر، قدما خلالها 14 فيلماً أشهرها: "يوم خاص، أمس واليوم وغداً، زواج على الطريقة الايطالية، الطحان الجميل، زوجة الراهب، زهرة عباد الشمس" 

وغيرها. 

تقول صوفيا: « حين يطلبوني لدور مع مارتشيللو أقول نعم فوراً دون قراءة السيناريو، لأني أعرفه كما أعرف أخي، ولأنه فنان عظيم يعرف ما يريد وكيف يفعله لذا أثق به تماماً» عند تكريم ماستروياني بجائزة دي دوناتيللو عن مجمل مسيرته الفنية صعدت صوفيا لتقدم له الجائزة مع قبلة اشعلت الصالة بالتصفيق لدقائق. قال ماستروياني: «عندما كنت أعمل مع ممثلة أخرى كانت أمي تسألني: ماذا؟ هل تخاصمت مع صوفيا؟» آخر لقاء فني بينهما كان في بداية التسعينيات بفيلم قصير أعادا فيه جزءاً من فيلم "أمس واليوم وغداً" وقد تقدم الأبطال بالعمر مع تغير الظروف والمشاعر والصحة. رحيل ماستروياني عام 1995 صدم الجميع وأشاع حزناً عاماً في إيطاليا وكانت صوفيا في مقدمة المودعين. بدأت حديثها في تأبينه: اليوم انتهى شبابي!

 وهكذا المسيرة المهنية تتأثر، سلباً أو إيجاباً، بالعلاقة الشخصية حسب ظروف كل حالة ومعطياتها ومرحلتها.