هذهِ هي أعظمُ مخاوف الكاتب

ثقافة 2023/01/02
...

 مراد كولسوي

 ترجمة: علي ماجد


إنَّ أدقَّ التفاصيل في عملية بناء النّصّ تبدأ من الأسئلة التي تقودُ القارئ الجيد الى النّصّ الذي يحلمُ بكتابتهِ. كثيرًا ما يُسألُ الكاتبُ كيف تكتبُ، ومتى تبدأُ، وأين تنتهي. هذهِ الأسئلة دائما ما تثيرُ الفضولَ لدى القارئ. وبالتأكيد هناك أسبابٌ مختلفةٌ تكمنُ خلفَ هذهِ الأسئلة منها؛ إن إحدى الأسباب التي تأتي وراءَ هذا الفضول - هيَ معرفة السّرّ والحكمة التي تغلف النّصّ الجيد. ولا ندري ما إذا كانت تلك الإجابات التي يقدمها الكاتبُ تعكس الحقيقة أم لا، وإلى أيّ مدًى ممكن أن تأخذنا هذهِ الإجابات. على أيّ حالٍ، فالأمر يعبرُ عن رؤية الكاتب لنفسه، ولأن «الانسان مرآة نفسه» كما يقولون، لذا نجدُ أغلب الكتاب يُجيبون عن هذهِ الأسئلة!، بل إنهم يكتبون عشرات الأعمدةِ في الصحف لشرح مفهومهم للأدب. 

سعيد فائق أحد أشهر وأعظم الكتاب الاتراك، والذي يُعتبر نقطة التحول في الأدب التركي الحديث. يرى أنَّ المسألة الأكثرَ خطورة ليست فقط في الأسئلة التي يرمي إليها القارئ، ولا في الإجابة التي يُقدمها الكاتبُ، إنما تكمنُ في مسألة استسلام الكاتبُ للقارئ؛ وهذهِ تأتي من لحظة شُعور الكاتب بالدهشةِ والإعجاب الذي يُقدمه القارئ له. لَدَى سعيد فائق نَصّ جميل اِسمهُ «مقهى افتاليكوس» يعبر هذا النّصّ عن هروب المؤلف من القارئ الشاب الذي يُريدُ التحدث الى الكاتبُ، والذي سنفهمه لاحقًا بأن الكاتبَ هو نفسهُ سعيد فائق. يحاول الشّابُ التقرب من الكاتب، ليعبر عن مدى حبه وإعجابه الكبير، متأملًا في اسئلته، لَعلَّ أسئلته هذه واعجابه الكبير في الكاتبُ يقربه مِنهُ أكثر وأكثر. لكن، المشكلة كانت هي في معرفة ما إذا كان الشّابُّ صادقًا أم لا. لذا يحاول الكاتب في القصة الهروب من الأسئلة التي كان يرمي إليها الشّاب. ما نفهمهُ من الكاتب سعيد فائق بأنّهُ لا يُشاركُ في مثل هذهِ الحوارات، ولا يلتقي بقرائه. لأن الشّكّ وعدم الارتياح الذي يشعرُ به في اللّحظة الأولى مهم لديه. إن الشّعور بمتعة الإعجاب التي يعيشها الكاتبُ من قرائه ربما تقتله وتزيل عنه الثقة، والرؤية الكبيرة التي يتمتع بها. لهذا نجدهُ يتخوف من الوثوق بنفسه لحظة ما يبدي القارئ له أعجابه! أليس هذهِ هي أعظم مخاوف الكاتب المبدع!

 إن الشعور بالصورة التي يحتفظُ بها الكاتب في عيون معجبيه هي أكبر استسلام للقارئ، بلْ هي الموت في توقعات القارئ في كل نّصٍ يحاول أن يكتبه. إنّ الابتعاد عن سماع الثناء والمديح يعني البقاء في القمةِ دائما ولأنه يفضل البقاء في القمةِ يدركُ خطورة الموقف في عيون معجبيه. من جانب آخر، يعترف سعيد فائق بذكاء القارئ الذي يحاول أن يلعب مع الكاتب حتى النهاية. فهو يرى بأن القارئ الذكي محب، وأن الحب يمنحكَ القوة، وربما تكون هذهِ القوة مصدرًا لضياعكَ بمجرد شعورك بأنّك كاتب جيدًا. يقول «أنا أخشى أن تمنحني كتاباتي نوعًا من السلطة أو المكانة الاجتماعية التي يوفرها القارئُ لي، لأن الناس يتعاملون مع الأشياء سوى كانت جيدة أم سيئة بالإحساس بالقوة، وأن القوة تنشأ أحيانا أينما كان هناك شخصان يعاني الناس بسببهما». لهذا السبب نجدهُ الكاتبُ سعيد فائق غير مرتاح للقوة التي سيوفرها له إحساس القارئ بالإعجاب فيما يكتبه.