سعد الرافع.. مزيجٌ من الواقعيَّة بالخيال

ثقافة 2023/01/02
...

 إحسان العسكري


عادةً ما يجتهد الفنان التشكيلي في تطوير ذاته عبر الميل على جهة هنا أو المرور بمدرسة فنية هناك، فهو يجيد قراءة الخيال ويحسن ترجمته بأنامله وذوقه الخاص الذي يوجهه. يتوسط الفنان التشكيلي سعد الرافع المكان الأجمل بين مدارس الفن التشكيلي الأولى، فتارة هو واقعي بامتياز وأخرى نجد الرومانسيَّة وقد أخذت من خياله الخصب ودفق انتمائه للجمال لتنتج عبر أنامله أعمال إبداعيَّة. 

ويظهر ذلك من أول لوحة تقع أمام أعين المتلقين، فمثلاً في عمله "فتاة المنزل" التي رسمها بالأكريلك على كانفس وحصل من خلالها على أوسكار "أرض الفن" من مصر بعد مشاركته في المعرض الدولي الذي أقيم هناك، استخدم الفتاة وشريكتها الخالدة باقة الزهور بإخراج واقعي هو الأقرب للرومانسيَّة، فجعل من لوحته مدعاة دهشة قرينة للتأمل، فطريقة مزج الألوان والخطوط كانت ملفتة وفيها خليط من الخيال والحقيقة. وكذلك الحال بالنسبة للوحته التي تجسّد المرأة العراقيَّة، إذ اعتمد أسلوب الدقة في التخطيط واختيار الألوان وطريقة وقوف الفتاتين فيها، فضلاً عن الخلفية التي تذهب بالمتأمل بعيداً عبر انتماءاته الخاصة، فلا يمكن أن يقول إن هاتين الفتاتين من الجنوب أو الوسط أو الغرب، ويكتفي بأنّه أمام عمل فني متقن جسّد لكل عين شخصية تريد أن تضعها إينما تحب.  

هذا الخليط بين رؤية رومانسيّة وإخراج واقعي عمل على أتممة النظريّة القائلة إنَّ المدرسة الواقعيَّة هي مدرسة الشعوب. وهنا عبر الفنان عن الفكرة السائدة في أنّ المدرسة الرومانسيَّة غالباً ما تعاكس بمفهومها العام المدرسة الواقعيَّة، فهذه للشعب وتلك للطبقة المخمليَّة. 

إنَّ بيئة الفنان هنا لعبت دورها في تنمية تأثره بمحيطه، فهو في مدينة تحيط بها القرى ويشطرها الفرات ويسكنها مشايخ ووجهاء القبائل العربية شكلت خليطاً من مكون عراقي سائد عَبَر الطبقيَّة وتجاوز حدود النظريَّات الاجتماعيَّة وثبتَ عند نمط معين لا مجال لشرحه الآن لكن السائد في محافظات غرب العراق - وهو الأصالة والكرم وخط المعيشة المتقارب بين طبقات الشعب كبقية مناطق البلاد- لذا أثرت هذه البيئة على الفنان لدرجة أنّه فاز بمسابقة ملتقى الفنانين العرب في مصر، أيضاً حاصداً الميدالية الذهبية في لوحة بقياس 70/ 50 ألوان مائيّة على كانسون اسماها "حلم من الريف" جسَّد فيها حياة الأهوار في أقصى الجنوب، ورسم المرأة الريفيَّة كما يصور الابن والدته. 

نجح الفنان في ترميز واقعيته بخياله واعتمد فكرة الثبات على نهج التراث في لوحاته، متخذاً من أسلوب الفنان الواقعي المختلط بمكانه، فلم يبرح أثره ولم يهرب عبر رومانسيته من الواقع إلى الخيال، بل استخدمها لتعزيز واقعيته بدقة بمعنى متناهٍ، كما يقول غوستاف كوربيه "أنا لا أستطيع أن أرسم ملاكاً، لأنّي لم يسبق لي أن رأيته"، لكن الرافع استخدم ما هو أرق من الملاك وأصدق واقعيَّة منه. وهذا ربما أكد مفهوم الشخصية الفنيَّة المعاصرة عبر انتقالاته المتقنة من لوحة لأخرى وعبوره حدود المحليَّة إلى الدوليَّة، فبعد حصده للجوائز الوطنيَّة في مصر فاز مرة أخرى في مهرجان تراث الشارقة بلوحة ربط تراث الإمارات الأصيل بحاضرها المتطور، كما في مشاركته بمهرجان هواجس في البصرة بلوحة "ملح الجنوب" ورسم حياة الأهوار بالسكين - زيت على كانفس، والرسم بالسكين يعطي مساحة واسعة وجماليَّة أخّاذة رغم محدوديَّة الألوان المستخدمة. أما في "عدالة منقوصة" اللوحة التي أدرجت ضمن المميزة في مهرجان وزارة الثقافة 2020 فقد كانت واقعيَّة مثّلت التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع الواحد، وكأنَّه يبعث برسائله للأخير بأنَّ "الفن والثقافة يراقبان كل ما يجري وأنّهما حاضران وهذه إخفاقاتك، وهذه رؤية الفن وهذا 

توثيقه".