الصناعات الصغيرة.. سبلٌ لتطوير الاقتصاد المحلي

ريبورتاج 2023/01/04
...

لا يخفى على أحد أهمية المشاريع والصناعات الصغيرة، فهي تعد أمراً ضرورياً ومهماً لفئات متعددة، وهي غالبا ما تكون رافدا اقتصاديا أو على أقل تقدير مصدر دخل للكثيرين.

 فعلى سيبل المثال من يدخل محل أبو وليد الذي يمتهن بيع الاواني الفخارية، لا يمكن أن يغفل عن ألوانها الزاهية وطريقة ترتيبها، وهي تتنوع بين اللون الأزرق أو الأبيض، فضلا عن ألوان اخرى، وعلى مقربة منه يبيع زميله شهاب صابر سلالاً خشبية، وأغراضا من الخوص.

وتبدو الفخاريات وكأنها مصنوعة باتقان ويقول ابو وليد:

"منذ أن كنت طفلاً صغيراً وأنا أرافق والدي في عمله، اذ كان يمتهن بيع الأواني الفخارية والخزفيات". ولا يقتصر الأمر على (أبو وليد) فقط، بل هناك جاره (ابو ناجح)، الذي يمتهن بيع الفخار والأواني الخزفية هو الاخر ويعدّها مصدر ربح لا بأس به.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن صناعة الفخار، من اقدم الصناعات التي عرفها الانسان اذ كان يستخدم الصخر، من ثم يطحنه ويجعله قابلا للعجن، وظهر في بلدان متعددة، ومن ثم تطور مع مرور الزمن شكلا ولونا وحجما، وهي تعد مصدر دخل لفئات وطبقات مختلفة في المجتمعات.


تنمية الاقتصاد

من المعروف أنه في كل بلدان العالم هناك مصادر متنوعة ترفد الاقتصاد المحلي، وتعمل على تطويره وتنميته، ولأن العراق من البلدان التي لطالما كانت متميزة ولها دور كبير في مختلف الصناعات، فمن وجهة نظر عميدة كلية اقتصاديات الاعمال في جامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة، أن الصناعات اليدوية استاثرت بأهمية بالغة، لأنها تتمتع بدور أساسي في تنمية الاقتصاد الوطني، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ تعتقد نعمة أن هكذا صناعات غالبا ما تكون فريدة من نوعها وتعتمد في إنتاجها على المواد الأولية المحلية الصرفة.


حب المهنة

كانت السلال الخشبيَّة والصحون المصنوعة من الخوص، منتشرة في أركان المحل الصغير، الذي يعمل فيه شهاب صابر، وقد بدت الرفوف مرتبة بشكل واضح ولافت للنظر، وهو يحاول دائما أن يطور من تصاميمه، التي يعدها بسيطة ولكنها متقنة الصنع في الوقت ذاته، فهو يحب مهنته ويحاول أن يحسن منها اكثر، ويواجه صابر تحديات كبيرة ومنها منافسة المستورد الذي غالبا ما يكون أرخص ثمنا من المحلي.

وترى عميدة اقتصاديات الأعمال بجامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة أن هذه الصناعات لا تحتاج إلى التكنولوجيا المتطورة بشكل كبير، لأنها جملة من المصنوعات اليدوية التي لها قيم جمالية وفنية بدائية وبسيطة، ومتطورة ايضا لأنها تعتمد على أيادٍ ماهرة متخصصة، وهم الحرفيون الذين ينتشرون في أرجاء البلاد، الذين يعدون هذا النوع من الصناعات مصدر رزق لهم، وكثيرا مايستعينون بأفراد عوائلهم في هذا العمل.


مشغولات متميزة

جلست على الأريكة ووضعت امامها مجموعة من الخرز ذات ألوان براقة، وقد بدا عليها الانهماك وهي تحضر وتعد الاساور والقلادات، فمنذ الصغر تحب رؤى كمال كل ما له علاقة بالمشغولات والاعمال اليدوية، وعن هذا الامر تقول كمال:

"يعجبني كثيراً أن أصنع القلادات والأساور، اذ أقوم باختيار افضل انواع الخرز، فضلا عن الادوات التي تدخل في هذه الصناعة، وأحاول دائما أن أتقن هذه المهنة وأطورها".

بحسب الخبير الاقتصادي رشيد السعدي فإن صناعة الفخار والمشغولات اليدوية، لها تاثير كبير على الاقتصاد المحلي، لأن الكثير من العوائل تمتهن هذه المهنة، ففي السابق كانت هناك الكثير من العوائل تعمل في الصناعات الحرفية ومنتجات سعف النخيل و(الحصران) والفخار، والآن أصبحت مادة تراثية، وهي تدر ربحا لأصحابها.

بينما يتفق خبراء علم الاجتماع على أن صناعة المشغولات اليدوية والاكسسوارات، مفضلة بشكل كبير للفتيات، لأنها غالبا ما تكون مصدرا للرزق، وبالتالي بامكانهن تحقيق ذواتهن من خلال هذه الاعمال البسيطة.


تراث صناعي

يعتز (ابو وليد) بعمله كثيرا، لأنه ارتبط به منذ طفولته اذ كان يرافق والده دائما في هذه المهنة وعلى الرغم من الصعوبات التي يعانيها اليوم، من امكانية توفير المواد الأولية ومنافسة منتجاتها لتلك الموجودة بالأسواق، إلا أنه يحاول أن يتجاوز تلك العقبات.

تبيّن عميدة اقتصاديات الأعمال في جامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة أنه بالرغم من التطور الصناعي، الذي شهده العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي، لكن هذه الامر لم يؤدِ إلى اهمال الصناعات الحرفية البدائية لأسباب متعددة، ومنها اعتزاز العراقيين بها وتفضيلها على مثيلاتها التي تم استيرادها.


بند في الموازنة

تحتاج الصناعات الصغيرة مثل الحرفيات وغيرها، إلى دعم واسناد كي تصل إلى أكبر قدر ممكن من المستهلكين، ويوضح الخبير الاقتصادي رشيد السعدي أنه من المتوقع أن يكون هناك بندٌ في الموزانة القادمة، لدعم تلك الصناعات واصحابها لما لها من تأثير على الاقتصاد المحلي.

وتشاطره الرأي عميدة اقتصاديات الاعمال بجامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة، اذ تؤكد أن هناك تأثيراً مباشراً للصناعات الحرفية على الاقتصاد، فهي تعمل على تنميته وبالامكان توسيع رقعة الانتاج وارتفاع نسبة العمالة، وزيادة في الصادرات.

وتلفت نعمة إلى أنه في حال تم الاهتمام بتلك الصناعات، وادراة عمليات انتاجها بشكل صحيح وتسويقها، فسيكون لها أثر جيد على أصحابها وعلى الاقتصاد، لانها مرتبطة بالتراث كما أنها اقتصادية وتعتمد على المواد الاولية، ولكن اصحابها بحاجة إلى قروض ميسرة ودعم حقيقي لزيادة فاعليتها وتطورها، والتنسيق ما بين هذه الصناعات المتنوعة لضمان تقدم البلاد صناعيا.