القبانجي يحصد الإعجاب في مؤتمر الموسيقى الأول بالقاهرة

ثقافة 2023/01/04
...

سمير خلف
في سنة 1932 قام ملك مصر، الملك فؤاد بإرسال دعوة إلى الدول العربية للحضور إلى القاهرة لإحياء أول مؤتمر للموسيقى العربية لتتبادل وتتعارف تلك الدول على الموروث الموسيقي لكل منها، وتقديم الأبحاث الخاصة بالموسيقى، بالإضافة إلى دعوة أكثر من (20) شخصية مهمة في مجال الموسيقى من بعض الدول الأوروبية والشرقية. وكانت الدول العربية التي شاركت في هذا المؤتمر هي (العراق، سوريا، فلسطين،  اليمن، تونس، المغرب) بالإضافة إلى مصر الدولة المضيفة.

كان الوفد العراقي المشارك يترأسه مطرب العراق الأول الأستاذ محمد القبانجي مع فرقته الموسيقية المكونة من العازفين: "عازف العود عزوري هارون وعازف القانون يوسف زعرور وعازف السنطور يوسف بتو وعازف الجوزة شميل جوزة وعلى الرق ابراهيم صالح وعلى الطبلة يهودا موشي"، وكلهم من يهود العراق وقد حضر ملك مصر حفل الافتتاح، إذ  استمر المؤتمر لمدة أسبوع من تاريخ (28 آذار إلى 3 نيسان).

غنى القبانجي في حفل الافتتاح بعض المقامات وغنى أيضاً نشيداً من تأليف الشاعر خضر الطائي وألحان القبانجي ومطلعه (ملك النيل سلام لك ما غنى حمام ... وشذا في الروض طير وسرى في الدهر عام) وقد نال رضا الملك وصفق لغناء القبانجي عندما غنى نشيد (مارش جلالة الملك) ومقام بهرزي.

واستمر القبانجي في الحفلات الأخرى لباقي أيام المؤتمر، إذ غنى عدة مقامات منهــا (الابـــراهيمـي، بنـجـكاه، رســت، منصـوري، مخالـف، حسيني، مدمي).

وقد حصد الوفد العراقي أعلى المراتب المعنوية مقارنة ببقية الوفود المشاركة، إذ كانت حصة كل وفد مشارك  (3،4) اسطوانات، بينما حصل الوفد العراقي على (31) اسطوانة بينها (24) اسطوانة فقط بغناء القبانجي و(7) اسطوانات كانت تسجيل عزف منفرد

للعازفين.

شارك الوفد المصري المطرب محمد أفندي نجيب وغنى دور "طال الجفا من محبوبي"، وأيضاً شاركت أم كلثوم وغنت قصيدة (افديه أن حفظ الهوى او ضيعا .. ملك الفؤاد فما عسى أن اطلعا) وهي من قصائد أستاذها الشيخ أبو العلا محمد التي غناها سابقاً بصوته وأعادت غناءها، وقد اختارت أم كلثوم غناءها في هذا المؤتمر لحضور الملك فؤاد وقد استغلت هذه الفرصة باختيارها تلك القصيدة لترتجل بجملة (ملك الفؤاد) وهي جملة موافقة للملك فؤاد وقد استرسلت بغناء تلك الجملة وارتجلت وأطالت بها كي تستقطب انتباه الملك لتكون من ضمن المغنين الذين يحظون برعاية الملك ويغنون في قصره حالها حال عبد الوهاب الذي كانت أبواب قصر الملك مفتوحة له، حتى أطلقوا عليه لقب مطرب الملوك والأمراء، وقد حصل ما أرادته أم كلثوم فقد فتحت أبواب القصر لها بعد غنائها لتلك القصيدة في 

المؤتمر.

أما عبد الوهاب وعلى الرغم من ذكائه المفرط وقراءته، فقد خابت آماله، إذ كان مهووساً بالتجديد، بعد أن سافر إلى أوروبا مع أحمد شوقي ولاحظ التطور في الموسيقى العالمية وأراد نقل هذا التطور إلى الموسيقى العربية وقد غنى في المؤتمر مونولوج "في الليل لما خلي" من شعر أحمد شوقي الذي كتبه باللهجة المصرية خصيصاً لعبد الوهاب وقد أبدع عبد الوهاب بصياغة اللحن، فقد كان مضمون النص الغنائي هو تعبير عن الليل فجاء اللحن معبراً عن أجواء الليل ووحشته وسكونه وظلمته، ولكن الذي لم ينتبه له عبد الوهاب هو أن الجمهور لم يتهيأ لاستيعاب هذا الأسلوب التعبيري، فقد كان المستمع أسيراً للأسلوب التطريبي الذي وفقت به أم كلثوم وقد استخدم عبد الوهاب في هذا المونولوج الرائع آلات غربية، كانت لأول مرة تستخدم في الموسيقى العربية مثل آلة الفلوت والتشيلو

 والكونترباص. 

ومن الجدير بالذكر أن عبد الوهاب تأثر بمقام اللامي العراقي، إذ استخدمه في أغانيه، وكان أولها أغنية "يلي زرعتوا البرتقال" التي شاركته بغنائها المطربة رئيسة فهمي، إذ اعتمد عبد الوهاب في الثلاثة مقاطع الأولى على مقام اللامي ليختم على مقام العجم، وكانت تلك الأغنية بعد عشر سنوات من انعقاد المؤتمر أي في سنة 1942 ، ولم يكتف عبد الوهاب بذلك فقد غنى أغنيته الشهيرة "أنا والعذاب وهواك " على مقام اللامي وكانت ذات طابع غربي وبتوزيع اوركسترالي وأيضاً لحن وغنى على مقام اللامي أغنيته الشهيرة "قلبي بيقولي 

كلام" .

وقام كمال الطويل بتلحين الاغنية الشهيرة "على قد الشوق اللي بعيوني" على مقام اللامي التي غناها عبد الحليم  

سنة 1955.