مهدي القريشي
قد أكون مغالياً بعض الشيء اذا ما تبنيت فكرة أن الامراض المزمنة كالضغط والسكري والربو وأمراض القلب وتصلب الشرايين وغيرها اصبحت حكراً على الطبقة الفقيرة، وفي أحسن الأحوال تكون ضيفاً ثقيلا على الطبقة الوسطى من المجتمع، وتبريري لهذه الفكرة التي قد تحمل في طياتها بذور العدائية للطبقة الميسورة وأخص بالذكر " حديثي النعمة" من تجار الصدفة وبعض من طبقة الساسة المتنفذين.
والذين اتخمت جيوبهم من المال العام، وعن طريق تبييض الأموال والدخول بقوة إلى سوق العقارات والمولات ووو ولم يكتفوا بهذا الحد، حتى طالت أياديهم ما يمس مستلزمات الحياة الضرورية كأدوية الفقراء والذي تؤشر الاحصائيات ان عددهم وصل إلى 11 مليونا من مجموع نفوس العراق البالغة 42 مليون نسمة اي بنسبة
25 ٪ من مجموع السكان ، ومما يؤسف له أن العراق وصل إلى المرتبة 79 ضمن افقر شعوب العالم رغم أنه يعوم على بحيرات من الثروات.
إن الاندفاع لممارسة تجارة الأدوية وبناء المستشفيات الاهلية ما هو إلا شكل من أشكال التغول في سحق الطبقات الفقيرة والتعامل بأخلاقيات السوق المعتمدة على المضاربة وجني الأرباح، وما تسببه من أضرار فادحة للاقتصاد الوطني ، حتى أصبحت الأمراض بكل تنوعاتها والفقر صنوان منسجمين، فالفقير ومتوسطو الحال من صغار الموظفين والمتقاعدين والكسبة يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة المعيشية، التي تساعدهم اجتياز ايامهم الصعبة بأقل الخسائر، المرض لا ينتج عن التقدم في العمر فحسب انما من تراكمات تعب السنين ومنغصات الحياة والعوز وصعوبة الحصول على المواد الغذائية الضرورية لبناء ما يتهدم من أجسادهم أيضاً.
الصيدلية هي المكان الذي يخشى دخوله الفقراء للتصاعد المستمر في أسعار الأدوية رغم حاجتهم الماسة للتعامل مع أصحابها، حيث تتجلى فيها أسوأ الطرق للابتزاز وتفريغ جيوب عملائها، وهناك روابط وصلات قوية بين مذخر الأدوية والمستشفى الأهلي والصيدلية، فأحدهم يمول الاخر وبالنتيجة "الحساب" في الصيدلية ، فالصيدليات منتشرة في كل زقاق وشارع وبدون ضوابط تذكر، فالمفترض عند الموافقة على فتح أي صيدلية أن تلتزم بالتعليمات والضوابط منها مثلاً المسافة بين صيدلية وأخرى على ألّا تقل عن 100 متر كما في مصر ودول أخرى وأن تكون بموقع حسب كثافة سكان المنطقة وسهولة الوصول اليها، لكننا في العراق نجدها تتمركز قرب عيادات الأطباء ومختبرات التحليلات المرضية ومختبرات الأشعة والسونار حتى أنني وجدت بعض الصيدليات داخل عيادة الطبيب.
ولكون معظم الموردين للأدوية والمتحكمين بأسعارها منتمين أو مرتبطين بجهات متنفذة، ما يجعل من وزارة الصحة عاجزة عن محاسبة المخالفين لتعليماتها، وعاجزة عن تقديم الخدمات الصحية والدوائية لشريحة واسعة من المرضى، وبالتالي فالمتضرر الوحيد هي الطبقة الفقيرة التي تعجز عن شراء الأدوية من السوق السوداء.
لا يمكن أن نقول كل ما نعرف عن تجارة الادوية لكن بعض أصحاب الصيدليات يستغلون عدم معرفة البعض للقراءة والبعض الاخر لا يعير انتباه لتواريخ انتهاء الصلاحية للأدوية أو التي في طريقها للانتهاء، فيسهل عليهم بيعها بعيدا عن تانيب الضمير، يضاف إلى جشع البعض بارتفاع الأسعار بعيدا عن المراقبة، وإن وجدت فهي مراقبة رخوة للأسعار والصلاحية من قبل الجهات المختصة، وعلينا ألا ننسى أن بعض الأدوية تدخل إلى البلد عن طرق غير شرعية وبأدوات بدائية بعيدة عن توفير وسائل نقل تتماشى مع متطلبات الخزن المعتمدة في درجات حرارة خاصة لكل نوع من أنواع الأدوية ( قچق ) مما يبعدها عن الفحص والرقابة الصحية الرسمية، فتصل إلى المستهلك بدون فاعلية دوائية إن لم تكن مضرة على المدى البعيد.
رغم أن أسعار هذه الادوية تكون أرخص من مثيلاتها في السوق، بسبب التهرب الجمركي والضريبي.
ولاختصار الموضوع على وزارة الصحة أن تتدخل بقوة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لأن الأدوية تهم شرائح واسعة من الناس، خاصة الفقراء والكسبة، الذين يقطعون جزءًا من مصروف العائلة ليكون من حصة شراء الأدوية.