هيبودام الأميركي

آراء 2023/01/04
...

 ا.د عامر حسن فياض


لكنه كان أول من صاغ في الفكر السياسي اليوناني القديم. ومن غير مواطني دولة مدينة اثينا، صورة دولة مثالية ووضع لها دستورها والأسس التي تنشأ وتقوم عليها، ثم تكرر ظهور كثير من قواعدها وعناصرها في دولة افلاطون المثالية، وصولا إلى دولة الأميركان الحالية.

جعل هيبودام التقسيم الثلاثي أحد الأسس المهمة لدولته المثالية، التي رأها مكونة من عشرة آلاف مواطن موزعين بين ثلاث طبقات اجتماعية: 

1 - طبقة الحكام "المثقفين" ولها لجنة تحضيرية ومجلس شيوخ وسلطة تنفيذية.

2 - طبقة العاملين وتتكون من الصنّاع والفلاحين والتجار.

ووفقا لتقسيم هيبودام الثلاثي تقسم اراضي الدولة إلى :

1 - أراضٍ مقدسة خاصة بالأغراض الدينيَّة.

2 - أراضٍ خاصة بالفلاحين.

3 - أراضٍ خاصة بالمحاربين.

على أن تكون ملكية هذه الاخيرة للدولة، لكي لا يعاني النظام السياسي من السلبيات، التي تعاني منها أنظمة الحكم القائمة في كل زمان ومكان، نتيجة الصراع بين الحكام والقادة العسكريين، وليتحرر هذا النظام بفضل ملكية الدولة للأرض من العجز السياسي الناجم عن غياب التخصص وعدم تحديد المسؤوليات، ويتطهر من الفساد السياسي المرتبط دائما وابدا بالثروات.

وكانت القوانين التي وضعها هيبودام لدولة المدينة المثالية، ذات طابع جنائي جزائي تنحصر اهتماماتها بالجرائم المرتكبة ضد:

1 - الشرف

2 - الأرواح

3 - الملكية الاقتصادية

وعلى هذا المنوال، قسم اختصاصات الادارة ومؤسساتها في دولته المثالية إلى:

1 - إدارة تختص بشؤون مواطني الدولة.

2 - إدارة تختص بالأجانب المستوطنين.

3 - إدارة تختص بالاجانب غير 

المستوطنين.

وعلى الرغم من تبني هيبودام لفكرة التقسيم الطبقي القائم على التخصص المهني. إلا أنه لم يمنح أياً من طبقات مدينته حق احتكار ممارسة السلطة السياسية. مفضلا توسيع نطاق هذا الحق وجعله من نصيب المواطن، الذي يختاره الشعب بالانتخاب لتحمل مسؤوليات الحكم، مخالفا بذلك قواعد الديمقراطية الاثينية التي رفضت نظام الانتخاب، لأنها رأت فيه وسيلة ارستقراطية لاختيار الحكام، وأخذت بدلا عنه بنظام القرعة كأساس للاختيار، لأنها رأت فيه تجسيدا لروح المساومة بين المواطنين في الحقوق والفرص.

واختار هيبودام (النظام المختلط الثلاثي) من بين أنواع انظمة الحكم المختلفة، لأنه اعتقد أنه افضل النظم، واستند في ذلك إلى فرضيته القائلة: (إن النظام ذو الطبيعة الواحدة سرعان ما يتعرض للفساد بسبب فساد طبيعته الاحادية هذه، ولكن النظام المختلط تجتمع فيه وتتفاعل طبائع متنوعة، فتتوازن هذه الطبائع، وتمنع كل طبيعة منها الاخرى من الفساد). حيث يجمع هذا النظام المختلط بين طبائع الانظمة الثلاثة:

1 - النظام الملكي ذو الطبيعة الفردي.

2 - النظام الارستقراطي ذو الطبيعة النخبوية.

3 -  النظام الديمقراطي ذو الطبيعة الشعبية.

فتخضع فيه السلطة الملكية لقيود المصلحة العامة واشتراطاتها، وتتم موازنة تلك السلطة ذات الطبيعة الفردية بعناصر مستمدة من النظامين الارستقراطي والديمقراطي بطيبعتها النخبوية والشعبية. وأخذ فلاسفة السياسة ومفكروها الإغريق (افلاطون وارسطو) لاحقا، فكرة النظام والدستور المختلط ثلاثيا عن هيبودام، لكنهم أعادوا تصميمه ليجعلوا منها نظاما ودستورا مختلطا ثنائيا، ثم أخذ الرومان (بوليب وشيشرون) عنهم هذه الفكرة، لكنهم أعادوها إلى اصلها الثلاثي عند هيبودام، وهي الفكرة التي اخذها عنهم المفكرون الغربيون، وأعادوا إحياءها من جديد في العصر الحديث، حين تبناها وطبّقها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة. 

جاعلين نظام الحكم فيها نظاما مختلطا ثلاثيا (رئاسيا يشبه النظام الملكي الفردي، 

ومجلس شيوخ يشبه النظام الارستقراطي النخبوي، ومجلس نواب يشبه النظام الديمقراطي الشعبي). وتضمن برنامج هيبودام الاجتماعي في ثناياه ملامح الاشتراكية جسدتها دعوته لوضع مصادر الثروة في يد المجتمع، ومناداته بالقضاء على أسباب التفاوت في الثروات، لأنها سبب حدوث الصراعات والثورات كما أوضح ارسطوا ذلك لاحقا وبشكل مفصل وموثق، وجعله التعليم ضمن مسؤوليات الدولة واختصاصاتها، كما أوضح افلاطون ذلك لاحقا وبشكل مفصل وموثق ايضا، وقوله بمسؤولية الدولة عن الاخلاق والمحافظة على الاداب 

العامة.