عن مفهوم الخطأ

ثقافة 2023/01/07
...

 حازم رعد 

عزا بعض المفكرين والفلاسفة أن سوء تقدير حجم وتأثير الذي من الممكن أن تحدثه الأشياء والأشخاص قد يكون السبب المباشر وراء الوقوع في الخطأ، لأن لازم سوء التقدير هو الجهل بحقيقة الشيء وحماسة الدوغما «عدم المعرفة مقرونة بالانفعال» وغيرها مما سنعرض عليه في مقالنا الذي نخط سطوره على سبيل التعرّف على ماهية الخطأ ومسبباته ومراحله وأنواعه.

 الخطأ بشكل عام هو سلوك فقد البوصلة وخرج عن الطريق المرسوم للفعل أو الحكم لا عند قصد «بسبب عدم العلم أو مخالفة المعايير الناظمة أو بسبب الغفلة» فتوصل الفرد الفاعل إلى الوقوع فيما يخالف الهدف المقصود، وكما يعرف على أنه مخالفة القواعد أو أُصول علم، أو فن ونحو ذلك، والخطأ من المفاهيم المجاورة للجهل ويعني بالخطأ ما هو ضد الصواب عندما تحكم على شيء بأنّه باطل بينما هو في الواقع حق أو العكس.. بينما الخطأ يمكن أن يتكرر ويصبح مرادفاً للذنب والخطيئة التي يجب التحرر منها، كما يقول زهير الخويلدي في كتابه «أشكال الخطاب الفلسفي العربي»، من المهم أن نفهم أن الخطأ بنظرة شموليَّة هو مخالفة ما في الذهن لما في الواقع أو التضاد الحاصل بين الفكر والأشياء في الواقع، فينتج عن ذلك انحراف في السلوك عن مساره الطبيعي فيحدث ما نطلق عليه أنّه خطأ، ويمكن عكس ذلك فينتج ما نسميه الحقيقة فالأخيرة هي مطابقة الفكر للأشياء في الواقع. ولهذا عده البعض قصوراً من لدن المتعلم والناشط في قضية من القضايا في فهم أو استيعاب نسق التعليمات المعطاة له، أو أن الفاعل قد ترجَم سلوكيا بإعطاء معرفة لا تنسجم ومعايير القبول المرتقبة، أوصلته بالنتيجة للوقوع في ما يخالف الضوابط والواقع والمعايير الظرفية فأوقعه ذلك بارتكاب الخطأ. 

والخطأ كما يفهم منه هو عكس الصواب أي أنه يقع في الوجه المقابل له في معايير الحقيقة التي تعني مطابقة الشيء أو الفكر للواقع، من المؤكد أنه ليس عيباً «اقتراف خطأ» ونحن بهذا القول «لا نريد بذات الوقت تبرير الوقوع فيه» ولكنه على أي حال وغالباً ممارسة غير مقصودة «اي عمل من السذاجة» أن يقال إن إنساناً يريد أن يقع في الخطأ عن عمد وقصد، ناهيك عن كون الخطأ بعد تلمسه وتشخيصه هو بالحقيقة الوجه الثاني للصواب، فلولا أن الإنسان يبحث عن الصواب لما كلف نفسه الوقوع في ذلك. وهنا يكون الخطأ خبرة اضافية ناجمة عن تجربة وممارسة، وحتى أنه ورد في القرآن الكريم هذا المعنى حيث جاء في الآية الكريمة قوله تعالى [ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ.. ] فتحديد نقطة الصدع في نشأة سياق الخطأ وتشخيص نوعه يسهل مهمة البحث عن حلول مناسبة تجنبنا الوقوع فيه ثانيةً وثالثة، يقول زكي نجيب محمود في كتابه قصة الفلسفة الحديثة (نعم قد يستسلم الإنسان للخطأ ولكنّه لا يسعه رغم ذلك إلا أن يشعر بأنّه مخطئ بمقدار ارتكاب الجريمة ولكنّي مع ذلك أعلم أنّها جريمة وأحسّ في نفسي بعزم على عدم ارتكابها مرّة أخرى) وهذا ما نقصده في كلماتنا أعلاه من أنه طبيعي في الإنسان أن يرتكب الخطأ، ويقع فيه ولعل ذلك يتلاءم مع طبيعته الآدميَّة، ولكن ما لا يصح هو الشعور بالرضا حيال أن يقع في الخطأ مرة أخرى بمعنى أن يستخدم ذات الأدوات والطرق، وببليغ العبارة أن يستخدم ذات المخطط الذي اوصله إلى الخطأ أول الأمر، بل عليه أن يتجنب ذلك ويعتزم “فعلياً” عدم الوقوع فيه من خلال ممارسة السلوكيات والعمل وفق معرفة وتخطيط صحيح مسبقين. بيدَ أنَّ للخطأ أيضاً أنواعاً، ولكن ليست هذه الانواع نتيجة لبيانات مكنت من اجراء حصر عقلي لأقسام الخطأ أو أنها تلزم بأنها مطابقة للواقع دائماً. وإنما يصنف بهذا التصنيف نظراً لكثافته التأثيريّة ومدى سعة وضيق ضرره ونطلق التسمية على هذا النحو، وعليه يكون الخطأ نوعان هما، الأول: خطأ تلقائي، عفوي يحدث بسبب الجهل أو استباق الحكم والتعجّل بالأمور ومن دون أن يكون له تأثير واسع النطاق أو ضرر كبير مثل الأخطاء التي ترتكب في المهن والأعمال اليوميَّة للأفراد وأخطاء التخطيط في تصاميم الأشياء وغيرها مما لا يتمخض عنها نتائج فادحة وضرر كبير، والثاني: الخطأ الاستراتيجي، والذي نصطلح عليه ذلك لكون التأثير الناجم عنه يكون مكثفاً وضرره كبيراً ووقعه شديداً ويمكن أن يتمدد في نطاق واسع ويعود على الأفراد والجماعات بالخيبة، فهو لا يشبه كل الأخطاء العابرة التي يمكن إهمال إعادة النظر والتفكير فيها، ومثل هذه الأخطاء تكون في العمل السياسي والمعرفي، فمثل هذه الأخطاء قد يكون تأثيرها السلبي كبيراً يدخل بلداً ما في دوامة من الارباك ويعود على الأمن الاجتماعي بالتوتر المستمر وعلى المنظومة السياسيّة بعدم الاستقرار، وكذلك من الاخطاء الاستراتيجية ما يقع في مجال المؤسسة الدينيّة والمؤسسة المعرفيّة والتعليميّة والتربويّة فهما عندما يقعان في الخطأ فإنّ ذلك يعود على مجتمع برمته بالضرر ويربك هذه الأجهزة ويجعلها محط فقدان الثقة ويحدث شرخا كبيرا بينها وبين المواطنين وجماعات البلد والمنظومة الاجتماعية أو السياسية. الاعتراف بالخطأ أولى الخطوات في طريق تحقيق النجاح، الاعتراف المحكي عنه بمعنى من المعاني هو دليل على حسن نية المخطئ في كونه كان قاصداً لما هو صواب، وحصل ان تعجل او جهل قوانين الممارسة فأدى به ذلك لاقتراف الخطأ، أما التبرير للخطأ في محاولة لإيهام الآخرين أنّه فعل صواباً فهو تخطيط لتكرار الخطأ وفشل آخر يضاف إلى سلسلة الأخطاء التي يرتكبها إنسان بحق نفسه أولاً وبحق للآخرين ثانيا، وليس بالضرورة أن يفهم أن الاعتراف بالخطأ يكون على شكل خطاب تعبيري أو استعمال شبكة من النصوص للتعبير عنه، وإنما قد يكون الاعتراف بالخطأ على شكل إعادة لتنظيم ممارسة الأشياء بالواقع عبر تجاوز السياق الذي أدى للأخطاء السابقة من خلال ايجاد نسق مختلف جديد مبني على أسس معرفية واستشارة خبرات في المجال المراد العمل عليه، وهنا يضرب كونفوشيوس فيلسوف الصين مثالاً على ذلك ويقرن بين الحكيم ورامي السهم إذا أخطأ رميته في دلاله رمزية بأن الخطأ يدل على الصواب، إذ يقول إن (الرامي يمكن ان يقارن بالحكيم في بعض المواضع فاذا أخطأ الهدف الذي كان يريد اصابته فليفكر في نفسه وليبحث فيها عن أسباب الاخفاق)، وذلك البحث يكسب الإنسان مزيداً من المعرفة وتجنباً من الوقوع في الخطأ في المستقبل فلذا وسمه

بالحكيم.