سرديَّة «شهرزاد»

ثقافة 2023/01/08
...

 وليد خالد الزيدي  

 

يمكن أن تطبق الدراسات الأدبية أساسا على تقنياتها التقسيمية، باستخدامات لغوية من خارج دائرة المعيار الأدبي وامكانية العودة إلى الانغماس فيه بواسطة قراءة العلاقات بين المعرفة والقوة، إذا ما افترضنا أن في النصوص حقائق أرشيفية، ففي كل الحالات أن عملية الحفر داخل جسد النص السردي القديم لم تتم، بإبقائها مجرد احالات لفظية، وهذا ما تعرض إليه الروائي الجزائري الدكتور واسيني الاعرج الاستاذ في جامعتي الجزائر والسوربون الفرنسية، الذي يعد من الشخصيات الروائية المعروفة في العالم العربي، مستندا في أعماله على المدرسة التعبيرية الحديثة التي تعمل على تقنيات اللغة باعتبارها عنصراً ليس جاهزا، بل تحتاج لبحث دائم ومتواصل حيث تجلت نتاجاته في رواية «الليلة السابعة بعد الألف «الذي عدّه قصاً حكائيا يقارب في بنائه تقاليد القص الشفهي. 

واسيني الأعرج اعتبر أن نص «ألف ليلة وليلة» غادر شفاهيته وصار مدوناً مكتوبا، لكنه في صورة من صوره بقي يستجيب لبنية عقلية قريبة من الحديث أكثر مما هو للتسجيل، وهذا ما يحيله إلى مجموعة من تنضيدات يمكن اختزالها في حقيقتين لا مناص من ذكرهما.

الأولى أن بناء «ألف ليلة وليلة» مقارب لعمل شفاهي لا يستند إلى المنطق الديكارتي العقلاني في سرد الاحداث وبناء الرواية وعلاقاتها المتشابكة، لأن النص عبارة عن مجموعة حكايات وكل حكاية تتشظى هي الأخرى وتنقسم إلى حكايات أخرى أصغر مما سبقها، فحكاية الصياد في بداية النص على سبيل المثال، تسحب وراءها عددا من القصص الصغيرة وهي بدورها محكومة برواة يتبادلون مواقع الأحداث ويتقاطعون ويبتعدون في بعضها عن الحكاية الأصلية الكبرى، التي تتحكم في سردها شهرزاد في نهاية النص، كما يحدث هذا كذلك في شخصية معروف الاسكافي كحكاية درامية مثيرة تدمج في داخلها نهاية النص قصصا صغيرة تقود معروف من حرفة الاسكافي إلى الحكم كملك. 

القضية الثانية هي استثناء شخصية شهرزاد كعنصر روائي مركزي فكل راو ثانوي يتمحور في نقطة وسطية سرعان ما ينسحب منها تاركا دوره لراو آخر الذي بدوره أيضا لا يمكث كثيرا في موقعه، حيث أن الحالة الشفاهية التي أسس عليها النص تجعل من ازاحة أي قسم منها أمرا بسيطاً وعادياً، ولأن العقل الشفهي ينام تحت المكتوب في شكل تناصي يكون نموذجا متميزاً في عملية الحكي أي سرد الرواية.

حينما نتأمل هذا النموذج في وقتنا الحاضر، الذي لم يتقاطع اطلاقا مع الشفهية كممارسة حكائية يومية فأننا نجد لها شواهد في الحياة العامة، برغم من أنها في بعض حالاتها مناقضة لمنطق الحكم الديكارتي، الذي يعد الاستقراء انتقالا من معرفة الظواهر إلى معرفة القوانين.

فرواية شهرزاد عند واسيني تحيل بدورها سرديات أخرى من دون نسيان خيط الحكاية الأصل، وهنا يتمركز جزء كبير من عبقرية الحكي العربية التي لا تنسى منطلقها ومنتهاها والشبكة التي تحكم العلاقات القائمة بطريقة، تجعل من فعل قراءة النصوص المبنية على تلك النموذجية أمراً

ممكناً.