د. عدنان الجياشي
(نواجه تحديات تتمثل بالديون المترتبة على العراق، والمقدّرة بـ 400 مليار دولار، نحتاج إلى دعم ومؤازرة أميركية- دولية لإسقاط هذه الديون كي يتسنى لنا القيام بعمليات اعادة الإعمار والتنمية بعد إسقاط النظام).
كان هذا جزءا من حوار أجرته مجلة «النور» الصادرة في لندن صيف العام 1999 مع أحد أقطاب المعارضة العراقية السابقة، تذكرته بينما سمعت ورأيت قبل أيام عدة تصريحاً مماثلاً لأحد الساسة يقول فيه (إن البنك الفيدرالي الأميركي اذا ما رفع يده عن الأموال العراقية، فسيتم حجزها من قبل الدائنين الدوليين) انتهى..
الفاصل الزمني بين التصريحين(24) عاماً، منها (20) انقضت منذ إسقاط نظام صدام، ليتضح تماماً (بحسب هذه الأقوال) أن الاستئثار بالقرار المالي كان بناء على ترتيب مسبق مع قوى، فكرت بالاستحواذ على القرار السياسي، ونسيت أن الاقتصاد هو المقود لأية عملية سياسية، وان افتقاد البوصلة في ميادينه يعني فقدان السيطرة، وتحوّل السلطة (أية سلطة) إلى مجرد واجهات بلا محتوى.
لا أعرف بالضبط ماذا تعني المليارات الـ (400) غير أن تقارير الامم المتحدة أفادت في شباط 2022، بأن العراق أتم ملف التعويضات للجارة الكويت، (بلغت قيمتها اكثر من 52 مليار دولار) ما يعني أن ثمة (350) مليار سيصبح العراق ملزما بدفعها إذا ما ربطنا بين الروايتين الأولى والثانية..
تتوزع هذه الديون بين قروض حصل عليها العراق أثناء حربه مع ايران (1980- 1988) وتعويضات لبلدان تضررت جراء الغزو الصدامي للكويت (اب 1990)، وتعوز الدقة كثيرا من الأرقام التي لا تتخطى نطاق التقديرات، ويمكن الاستشهاد بهذه الرواية المنقولة عن وزير خارجية مصر والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية (عصمت عبد المجيد) الذي أخبره «طارق عزيز» وزير خارجية النظام عام 1984 قائلاً (إن دول الخليج قدمت للعراق في السنوات الاربع الأولى من الحرب ما مجموعه 60 مليار دولار)، كل هذا في (4) سنوات.. فكم بلغ الرقم بعد نهاية تلك
الحرب؟. ولما كان اقتصاد البلاد بهذا القدر من الهشاشة، وديناره في مهب ريح الصعود والهبوط، فغير معلوم ما الذي يمكن أن نصنعه عندما يرفع البنك الفيدرالي أيديه عن أموالنا المودعة في خزائنه، والتي ستتحول تلقائياً إلى الدائنين؟ كما يصعب التنبؤ بما ستؤول اليه العملة المحلية حين تفقد غطاءها من العملة الصعبة، فيحضر الانموذج السوري والتركي والمصري أمامنا، ونواجه مخاطر الإفلاس (لا سمح
الله)..
إنّ ترك حبال التكهنات على الغارب لم يعد مقبولاً، فالدوائر المالية في البلد، والبنك المركزي ملزمون جميعا بمكاشفة الشعب عبر بيانات واضحة تحدد لنا مسار اقتصادنا وعما اذا كانت هذه المليارات حقيقية أم لا؟ والأسباب الداعية لهذا الارتباط بالبنك الفدرالي، والفوائد أو الأضرار المترتبة عليه، حتى نعرف (راسنا من رجلينا)، ونخطط بشكل صحيح لبناء نظام مالي آمن بعيد كل البعد عن حجز الدائنين، ولعب اللاعبين.