من الهويَّة الثقافيَّة إلى التاريخانيَّة الثقافيَّة

ثقافة 2023/01/09
...

 عبد الغفار العطوي 


  الثقافة بمفهومها العام، هي ماهية وفلسفة وإيديولوجيا راديكالية، ولكي نكون فكرة عن العلاقة بين فهم ماهية الثقافة وفلسفتها بالمنظور الأمريكي الرأسمالي وبين نقد هويتها الاستعمارية من خلال النزعة الماركسية الغربية الحديثة، من قطبين مختلفين، رغم من أنهما ينتميان إلى المناخ الثقافي الأمريكي المضاد للرأسمالية وتحولاتها القائمة على الفلسفة البراجماتية، التي تتقبل صراع وتقابل المضادات الفكرية على اعتبارها من طبيعة التحولات الفكرية التي تصنع بعين المفاهيم الرأسمالية، واختيارنا لهذين القطبين ينهض على فكرة جواز نقد ممارسات الرأسمالية بمختلف أشكالها، من دون توقع الإزاحات الفلسفية التي يتوقعها أولئك المفكرون المعارضون لإنتاجاتها الهائلة التي تمحق كل الفلسفات المعارضة لقاعدتها المالتوسية الأداتية، القطب الأول أدور سعيد القادم من الشرق الأوسط (مصر) الذي يحمل الهوية الما بعد الكولونيالية، ويحاول مفارقة تلك الهوية إلى صراعه للرأسمالية عبر المنظومة المركزية الذاتية، مستعيناً بماهوية الثقافة التي يدرك أنها تستطيع مواصلة التفاهم مع رأسمالية يعاملها (ليوتار) بوصفها وكيلاً للإجمال المونولوجي، بينما يعامل (فريدرك جيمسون) الرأسمالية بوصفها وكيلاً  للتمايز القمعي، والقطب الثاني الناقد الأمريكي ستيفن جرينبلات. 

هذان الناقدان اللذان جعلا من مفهوم الثقافة عاملاً نقدياً في صراعهما ضد غول الرأسمالية مثل الصراع بين الماركسية وما بعد البنيوية، ومن أجل أن نفهم لم استخدما الثقافة بهذا الشكل الإيديولوجي في خلق مفارقة للهوية، وركوب موجة ما بعد الحداثة عبر التطور المفهومي لماركسية التاريخية وما بعد البنيوية، في حوار مع تيري إيغلتن عن ما هي الثقافة بالضبط؟ أجراه معه ديفيد إيبوني بتاريخ 26 آب 2016، الواضح من تناول إيغلتن بما يعني أن الثقافة مفهوم متعدد  الأوجه، الأمر الذي يفاقم صعوبة اعتماد مفهوم موحد بالغ التحديد والصرامة بشأن الثقافة، ويمكن التحدث عن أن ماهية الثقافة تعني هي الإطار النظري لمعتقدات الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه، وهي كذلك ما يبدو ماثلاً في سلوكهم الاجتماعي والاقتصادي، فالثقافة هي الإيديولوجيا التي وجه بها أدور سعيد نقده للمركزية الكولونيالية التي قامت على قمع الهوية الثقافية التي كان ينتمي لها كفلسطيني نازح مضطهد إلى عملية مفارقة الهوية، فلقد ظلت الهوية بالنسبة للفلسطينيين مسألة محيرة ذلك لأن الفلسطينيين وفقا لسعيد، قد أبعدوا عن ديارهم ليعيشوا في العالم، فحتمية مفارقة الهوية بالنسبة لها هي في إعادة التناوب في عملية التوازن التاريخي بين الهوية والثقافة، مما حدا بسعيد الى اختيار وطن بديل يمتاز بعالميته وانقطاعه عن الهوية التي تشكل موروثه القديم، فكانت (أمريكا) هي الوطن البديل لما تحمله من الإرث الاستعماري، والذي سيعطيه متسعاً للتحرك في نقد المركزية التاريخية للثقافة التي تحدد معالم هويته المفارق لها، هنا يلتقي مع ستيفن جرينبلات الذي انحدر من الحلقة الماركسة المادية التي ناصبت الرأسمالية العداء، فطور تجربته دراسة النصوص الأدبية والشعرية من خلال الإطار التاريخي الماركسي النقدي، واسهمت في الثمانينيات من القرن الشرين كتاباته في أن تكون نقطة انطلاق مهمة في النقد الأدبي الحديث، لتأسيسه مساهمة نقدية متميزة في  الدراسات الأدبية والثقافية، أطلق عليها (التاريخانية الجديدة) والتي قام بتطوير فيما بعد بما تسمى (الشعرية الثقافية) ولعل الرابط بين سعيد وجرينبلات غير منظور عند أغلب الباحثين والقراء لكن ما يجمع بين أدور سعيد  الكاتب والمفكر الأمريكي الجنسية الفلسطيني المولد (1935 - 2205) الذي عرف بدراساته عما بعد الكولونيالية، والناقد الأمريكي (ستيفن جرينبلات) قراءة الثقافة وتحولاتها وفق منظور تاريخي وسسيو تاريخي، متضاد بين نقد الرأسمالية وتبني عدوتها الماركسية (بالفهم الغربي للماركسية) يمكن مشاركة الناقد الماركسي البريطاني تيري إيغلتن في تعريف ما هي الثقافة في تقريب من وجهة الكاتبين كوسيط من الضروري أخذ فهمه للفلسفة الثقافة باعتبارها نقداً لتاريخية النصوص التاريخية أو نصية التاريخ، وإن قام أدور سعيد بفعل اكتشاف العالم المضاد للعالم الغربي  بنظرية ما بعد الكولونيالية في تقصي وتطور اقتراحات حول الأثر الثقافي للغزو الأوروبي على المجتمعات المستعمرة، وطبيعة استجابات تلك المجتمعات، فإن ستيفن جرينبلات مقلدا لجيمسون الذي يرى تغيراً في حساباته بتغير تفكيره، ليرى إن الرأسمالية هي نفسها  قد تغيرت. 

ويقول ستيفن جرينبلات عن جيمسون في كتابه (اللاوعي السياسي) إن التمييز بين الحقول الخطابية تكون على المحك، ليكون الاختلاف ظاهراً، بين نظرة جيمسون ليوتار، لكن فكرة أن يحاول ستيفن في نقده الثقافي الانتقال من شعريته الثقافية نحو الحراك الثقافي، فإنما تذكرنا بمحاولات سعيد في نقد تاريخية الرأسمالية بنظرية ما بعد الكولونيالية، وتهديده في عزل الثقافة عن الاستعمار، في تعميق التفاوت بين العالمين المتضادين الغربي الكولنيالي والعالم الاستشراقي، واعتقدت أن نظرة ادور سعيد وستيفن جرينبلات واحدة نقريباً في وضع الثقافة بين قطبين تاريخيين، الرأسمالية والماركسية.